Q ما الفرق بين قاعدة: (اليقين لا يزال بالشك) ومسألة الشبهة بين شبهتين، أعني: التي في مسألة اختصام سعد وعبد بن زمعة في الغلام؟
صلى الله عليه وسلم قاعدة: (اليقين لا يزال بالشك) قاعدة مجمع على العمل بها واعتبارها؛ لدلالة نصوص الكتاب والسنة عليها، وهي إحدى القواعد الخمس المجمع عليها، والتي قامت عليها أكثر مسائل الفقه الإسلامي، وهي: (اليقين لا يزال بالشك) و (الأمور بمقاصدها)، و (المشقة تجلب التيسير)، و (الضرر يزال)، و (العادة محكمة)، هذه خمس قواعد انبنى عليها فقه الإسلام في أكثر مسائله، وقاعدة: (اليقين لا يزال بالشك) تدل على أن الأصل أن يعمل المسلم بما استيقنه ويلغي الشكوك والوساوس.
أما مسألة الشبهة بين الشبهتين فهي عند استواء الاحتمالين، وإذا استوى الاحتمالان أشبه الحلال من وجه وأشبه الحرام من وجه، فحينئذٍ ليس هناك أصل، يعني: إذا جئت -مثلاً- إلى شيء متردد بين أصلين فإنك لا تستطيع أن تغلب أحد الأصلين من كل وجه، بل تقول: إنني أتورع، فأتقي هذا وأستبرئ لديني، وأحتاط في أمري ونحو ذلك.
ومسألة الرضاع، ومسألة الولد للفراش، ومسألة إلحاق الولد بالشبه هذه كلها مسائل بُني فيها على غلبه الظن، وقصة عبد بن زمعة مع سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وأرضاه عند دخوله عليه الصلاة والسلام إلى مكة، وأمره عليه الصلاة والسلام لأم المؤمنين أن تحتجب منه لوجود الشبهة، هذه المسألة يقول بعض العلماء فيها: إذا كان هناك رضاع، وهذا الرضاع فيه شبهة، وتكلمت به امرأة، والشبهة فيه قوية، يقول: أعملِ الرضاع موجِباً لمنع النكاح، وأَسقطْه موجباً للمحرمية، فيعمل بالشبهتين، فيقول: أعملُ بالرضاع فأقول له: لا تتزوج هذه المرأة، وأُسقطُ الرضاع فأقول له: ليست بمحرم لك، وهذا مبني على الحديث الصحيح عنه عليه الصلاة والسلام حينما قال: (كيف وقد قيل؟) في قصة المرأة التي ادعت أنها أرضعت صحابياً وزوجته، فقال له عليه الصلاة والسلام: (كيف وقد قيل؟)، فبعض العلماء يقول: الأمور المحرمة كالفروج والإرضاع ونحوها أمور ينبغي أن يحتاط فيها، فالنبي صلى الله عليه وسلم في مسألة الرضاع عمل بالشبهتين، فجعل للرضاع تأثيراً من جهة عدم جواز النكاح، ومنع الرجل أن يستبقي المرأة، وأيضاً أسقط حكم الرضاع واستند إلى الأصل من أنها أجنبية فمنعه من الدخول عليها ومصافحتها على أنها محرم له، فهذا يلجأ إليه الفقيه في بعض المسائل من باب الاحتياط والاستبراء للدين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (فمن اتقى الشبهات فقد استبراء لدينه وعرضه)، وبعض العلماء -رحمهم الله- عندهم إشكال في هذه المسألة، ويقول: إذا تردد الأمر بين شبهين محرم ومبيح فإنني أغلب المحرم؛ لأن القاعدة: (إذا تعارض حاظر ومبيح يقدم الحاظر) لأن التحريم فيه زيادة حكم وزيادة علم، فالمبيح باقٍ على الأصل ومستند إلى الأصل، والأصل يرجحه، لكن كونه يأتي شبه من الحرام فقد جاءت زيادة علم، وزيادة العلم توجب التقديم، فأقدم الحرام من هذا الوجه، وبعض العلماء يقول: لا، أقدم الحلال؛ لأن الأصل إباحة الأشياء؛ والشريعة شريعة تيسير؛ والنبي صلى الله عليه وسلم ما خُير بين أمرين إلا اختار أيسرهما.
وهذا كله مما يكون فيه اختلاف أنظار العلماء، وتحتك وتصطدم فيه الاجتهادات بين الأئمة، وعندها يظهر فتح الله على من فتح عليه من واسع علمه.
نسأل الله العظيم، رب العرش الكريم، أن يلهمنا الحق ويرزقنا اتباعه، وأن لا يجعله ملتبساً علينا فنضِل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم.