فشرع المصنف -رحمه الله- في تقسيم الطلاق من حيث السنة والبدعة، وهذا ما يسمى بالتقسيم من جهة الحكم، أي: من جهة حكم الشرع عليه، والطلاق السني مصيبٌ لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ومن طلق طلاق السنة فإنه لا يندم، قال علي رضي الله عنه: (لا يطلق أحدٌ للسنة فيندم).
وتوضيح ذلك: أن الله سبحانه وتعالى بيّن لعباده الطلاق الذي ينبغي أن تطلق به المرأة على ضوابط سنذكرها -إن شاء الله تعالى- كما في صدر سورة الطلاق، وخاطب بذلك نبيه صلى الله عليه وسلم، وبين كذلك أن هذا من حدود الله عز وجل التي ينبغي للمسلم أن يراعيها؛ فلما شدد سبحانه في نوعٍ خاص من المطلقات -وهي المرأة المدخول بها- بقوله: {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [الطلاق:1] أي: المرأة التي لها عدة، لما شدد في هذا النوع من الطلاق كان له حكمٌ خاص؛ ولذلك لما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم طلاق ابن عمر لزوجته تماضر رضي الله عنها أنه طلقها في الحيض، وذكر عمر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم غضب عليه الصلاة والسلام، وأمره أن يراجعها ورده إلى ظاهر التنزيل، فدل هذا على أن المرأة المدخول بها من ذوات الحيض -أي: ليست بصغيرة ولا كبيرة آيسة- والحائض التي لم تحمل، لها حكمٌ خاصٌ في الطلاق، فينبغي للمسلم أن يطلق بهذه الصفة الشرعية الواردة، فإن أصاب طلاقه هذه الصفة الشرعية كان طلاقاً سُنياً، أي: مصيباً للسنة وعلى وفق الشرع، وإن خالف فطلق وهي حائض أو طلقها في طُهرٍ جامعها فيه فإنه طلاق بدعة، وإذا قيل: إنه طلاق بدعة فهو طلاق الإثم، أي: أن صاحبه آثم لمعصيته لله عز وجل ومعتدٍ لحدود الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء طلق وإن شاء أمسك، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء).
إذا ثبت هذا فأولاً: ينبغي بيان الطلاق السني، وثانياً: الطلاق البدعي.