قوله: (أو خافت إثماً بترك حقه) كأن ترى أنه رجل شديد الشهوة، وهي لا تستطيع أن تصبر معه على هذه العشرة، وتخشى أنها إن قصرت معه أنه يقع في الحرام، وأنها هي أيضاً تأثم بالتقصير، فقالت: لا أريد أن أستمر في هذه الحياة أو أن أبقى مع هذا الزوج فأخالعه، فلها ذلك.
قوله: (أبيح الخلع) (أبيح) يعني: استوى في الطرفين، إن شاءت تخالع وإن شاءت لا تخالع، وليس من حق أحد أن يحرم عليها ما أحل، الله، وعلى القاضي إذا رفعت أمرها بهذه الصورة أن يجيبها إلى ذلك ما دام عندها عذر، فإذا ذكرت عذراً فليجبها إلى ذلك وعليه أن يبادر، وأما تأخيرها ومضي الشهور، بل لربما في بعض القضايا تصل إلى سنة والمرأة تتذمر وتتأذى، والقاضي يردها المرة بعد المرة، فهذا من الظلم ولا يجوز هذا، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم -والسنة واضحة لا إشكال فيها- جاءته المرأة، واشتكت من زوجها، وقالت: إنها تعيب عليه في خلقته، فقال صلى الله عليه وسلم: (أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، قال: اقبل الحديقة وطلقها تطليقة)، فما أخرها، وما قال لها: شاوري نفسكِ، ارجعي إلى أهلكِ لا تستعجلي، فالقاضي بجب أن يكون موقفه حيادياً، وإذا مال إلى أحد الخصمين دون الآخر فقد ظلم الخصم الآخر.
فالمرأة لم تأت من فراغ، ولم تأت من عبث، لكي تشهر بنفسها، فلم تتقدم إلى القاضي وتطلب الخلع إلا وقد بلغ الأمر مبلغه، فينصفها ويعطيها حقها الذي في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يؤخرها، وإنما ينظر، فإذا كان الذي ذكرته صحيحاً، وبينت أنها لا تستطيع الصبر على هذا الشيء، وكانت المرأة معروفة بالعقل والدين، فإنه يبادر ويخلعها، حتى لا تقع فيما حرم الله عليها.
قال رحمه الله تعالى: [وإلا كُرِه وَوَقَع] أي: إذا لم يكن هناك سبب كُرِه للمرأة أن تخالع، لما فيه من هدم البيت وخاصة إذا كان لها عيال فإنهم يتضررون بهذا الفراق ووقعه، ومع أنه مكروه لكنه يقع، يعني: فيتم الخلع ويحكم به وينفذ.