قال رحمه الله تعالى: [فصل: النشوز معصيتها إياه فيما يجب عليها].
بعد أن بين رحمه الله حقوق الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها، شرع فيما يعترض أداء هذه الحقوق، وفيما يخالف القيام بالحقوق، وهو ما يسمى بالنشوز، والنشوز يكون من الزوج لزوجته، ويكون من الزوجة لزوجها، ويكون من الطرفين معاً، فإما أن تكون المرأة هي الناشز على زوجها، أو يكون الرجل هو الناشز على زوجته، أو يكون الطرفان ناشزين، فهذه كلها أحوال للنشوز.
وأصل النشوز من نشز الشيء إذا كان مرتفعاً، والمراد به: أحوال تكون من الرجل، وتكون من المرأة مخالفة لشرع الله، يستعلي بها أحد الزوجين على الآخر، فالرجل يستعلي بها على المرأة لمنعها من حقوقها، والمرأة تستعلي بها على الرجل بإضراره في حقوقه، وهو من أسوأ ما يكون في العشرة الزوجية، وبه تفسد الحياة الزوجية.
ولذلك بين الله عز وجل نشوز الرجل على المرأة، فقال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} [النساء:128]، وبين نشوز المرأة على زوجها، فقال سبحانه: {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا} [النساء:34]، وبين الحكم في حال وجود الشقاق بسبب نشوز الطرفين، فقال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:35]، فما ترك كتاب الله شيئاً، ولقد كان الإمام الشافعي رحمه الله يقول: ما من شيء في هذه الحياة إلا وهو في كتاب الله، بين الله حكمه، وبين الله ما يجب على المسلم تجاهه، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، حتى الحقوق، فقد بين القرآن الأثر المترتب على أدائها والأثر المترتب على الإخلال بها.
فقوله رحمه الله تعالى: [النشوز معصيتها إياه] يعني معصية الزوجة لزوجها.
[فيما يجب عليها] هذا بيان لمحل المعصية، أي: ما يجب له عليها من الحقوق، وعلى هذا لا يمكن أن نصف المرأة بأنها ناشز في المستحبات والفضائل، كرجل احتاج إلى مال قرضاً، وعند زوجته مال، فقال لها: أقرضيني، فقالت: لا أقرضك! فلا يقال: إنها ناشز؛ لأنها إن أقرضته ففضل منها، وإن لم تقرضه فعدل، فهذا حقها، وهي ما ظلمته، ولا ظلمت نفسها، فلا يقال: إنها ناشز إن منعت فضلاً، إنما تكون ناشزاً إذا منعت فرضاً واجباً له عليها كما ذكر رحمه الله تعالى.