الشروط التي يجب توافرها في الشهود

قال رحمه الله: [فلا يصح إلا بشاهدين عدلين]: لا يصح النكاح إلا بحضور شاهدين عدلين، والعدل تقدم ضابطه.

والدليل على ذلك: أن الله تعالى قال في الرجعة: (وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} [الطلاق:2] فقال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق:2] هذا في الرجعة، والرجعة مبنية على النكاح، فإذا أمر الله بالشهادة في الرجعة فلَأَن تثبت الشهادة في الأصل من باب أولى وأحرى، ولذلك قال: {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2] وخص الشهادة بالعدول، ومما يدل على اشتراط العدالة في الشهادة على النكاح وغيره قوله تعالى في الشهود: {مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة:282] وإنما يُرْضَى من كان مستقيماً في دينه وشهادته.

قال: [ذكرين] فالنساء لا تقبل شهادتهن في غير الأموال.

والدليل على ذلك أن الله تعالى خص بدلية النساء عن الرجال في شهادة الأموال في قوله: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة:282] وهذا على الوصية في المال في السفر فقال: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} [البقرة:282]، ولما جاء في حد الزنا لم يقبل إلا شهادة الأربعة من الشهود الذكور، ولم يذكر البدل، ولذلك قال جماهير العلماء: لا يقبل النساء في غير شهادة الأموال.

والسبب في هذا: أن في النساء من الخصائص ما ليس في الرجال، وهذه الخصائص التي جعلها الله في النساء كمالاً لهن في أمورهن الخاصة لا تقوى معها المرأة على تحمل الشهادة؛ ومن ذلك أنها من قوة العاطفة فيها ضعف حفظها، وهذا ثابت حتى طبياً الآن، ولذلك قال تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282].

فلا تقبل شهادة المرأة في الجنايات والجرائم، وهذا مشاهد مجرب؛ لأن المرأة كما ذكرنا في طبيعتها الضعف، وهذا الضعف هو الذي جعله الله رحمة بالرجل، فكملت نقص الرجل بالرحمة والضعف الذي فيها، لكن هذا الضعف لا يستطيع أن يقف في الحوادث، ولذلك تشاهد المرأة إذا جاءت أمام جريمة أو أمام حادث تضع يديها مباشرة على عينيها ولا تحب أن ترى، ولا تستطيع؛ لأنها لا تتحمل، ولو قلنا أنها تشهد، فقد حملناها ما لا تطيق، فعندما نقول: إن شهادة المرأة ترد، فإن هذا ليس طعناً في الإسلام كما يفهم السذج، بل هو كمال في الإسلام، لما فيه الرحمة والتيسير على المرأة وإعطائها حقها وقدرها؛ لأن الله عز وجل عدل فأعطى كل ذي حقٍ حقه، فلا يستطيع أحد أن يدخل في شرع الله عز وجل، ولذلك المرأة عندما تخرجها عن طبيعتها وفطرتها وتحملها ما لا تطيق تعذبها، وتجعلها في عنت لا يعلمه إلا الله عز وجل.

فالشاهد: أن الشهادة في غير الأموال لا تستطيعها المرأة، ومن هنا لا تتحمل حتى في الأموال، قال تعالى: {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282] وفي قراءة: {فَتُذْكِرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} [البقرة:282] أي: تقويها حتى تصير بمرتبة الذكر من القوة التي في الذكر، فالشاهد: أن النساء في الحدود والجرائم وفي غير الأموال لا تقبل شهادتهن لحكمة من الله سبحانه وتعالى، {وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ} [الرعد:41] قبل الله شهادتهن في الأموال فقبلنا، ولم يذكر شهادتهن في غير الأموال.

والأصل فيهن أن يقرن في بيوتهن، فليس هناك مجال لاستشهادهن وهن في أمور أتقن لها وأحفظ لها وأرعى لها من الرجال، وهذا من حكمة الله، فقد جعل لكل ذي حقٍ حقه؛ خلق الله الأسد وجعل فيه من القوة والشكيمة ما الله به عليم، وإذا رأيت الأسد في البطش عجبت منه وقلت: لا إله إلا الله، يعني: عن حكمة الله وقدرته في خلقه والقوة التي جعلها فيه، ثم إذا جئت لأي أمر يحتاج إلى رحمة ولين وعطف فوضعت الأسد أمامه فإذا به يفسده غاية الإفساد، فتجد تلك القوة لا تصلح في هذا المقام، فتجد الشديد في مقام العطف لا ينفع، وتجد الضعيف في مقام القوة لا ينفع.

فمن يكلف الأشياء ضد طباعها ليس عنده حكمة ولا عنده عقل، فعندما تأتي إلى جنس ضعيف لطيف، الله سبحانه وتعالى خلقه وقدره، حينما تجده يقوم على بيته وعلى ولده، ويعطف على أسرته بحنانه وعطفه وإحسانه تسبح الله وتذكره لعظيم تدبيره، وحينها تعرف كيف تقوم البيوت، وكيف تتربى الأسر والأجيال بهذا العطف والحنان، هذا العطف والحنان الذي جبلت عليه المرأة لا تستطيع أن تكلفه القوة وتحمله ما لا يطيق، وإنما تجعله على قدره وحقه وما يطيق.

تقبل شهادة الذكور دون الإناث كما ذكرنا، وسيأتي إن شاء الله بيان هذه المسألة في كتاب الشهادة، ونذكر أقوال العلماء وتفصيلاتهم في هذه المسائل، وما الذي يستثنى من هذا العموم.

قال: [مكلفين] فلا تقبل شهادة المجنون ولا الصبي، فالصبي لا تقبل شهادته، والسبب في هذا: أن الصبي يقبل التلقين، ولا تقبل شهادة الصبيان إلا في مسائل مفردة استثناها بعض السلف؛ منها: قضاء عبد الله بن الزبير، فقد كان يقبل شهادة الأحداث والصغار في الجرائم بشرط أن يؤخذوا من مسرح الجريمة -يعني: مكان الجريمة- مباشرة قبل أن يلقنهم الكبار وقبل أن يختلطوا، فكان يقبل شهادة الصبيان فقط في حال إذا وقع بينهم شيء وأخذوا مباشرة دون أن يوجد هناك أحد يلقنهم أو يتصلوا بأحد يلقنهم، هذا الذي استثناه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه وعن أبيه في هذا، وسنذكر هذه المسألة ونبينها، أما غير ذلك فلا تقبل شهادة الصبيان؛ لأن الصبي ضعيف الإدراك فيستعجل في الأمور، ضعيف التمييز فلا يحسن الإخبار عن الأمور، ولذلك يفرق بينه وبين غيره فليس كالكبير البالغ.

قال: [سميعين] لأن الشهادة تحتاج إلى سمع، فلا تقبل شهادة الأصم؛ لأنه سيشهد أن فلاناً زوج فلانة، فإذاً لابد أن يسمع الولي مزوجاً الزوج، فإذا كان أصمّ لا يسمع لا يمكن أن يشهد، فالأصم لا تقبل شهادته.

قال: [ناطقين] لأنه سيُحتاج إلى شهادته للاستيثاق، فلابد أن يكون قادراً على الكلام قادراً على الإفصاح عن مكنون نفسه، فإذا كان لا يتكلم لا تقبل شهادته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015