يقول المصنف رحمه الله: [بكر ولود بلا أم] ذكر المصنف رحمه الله هذه الجملة التي بين فيها الصفات التي ينبغي للمسلم أن يراعيها في اختياره للزوجة، وهذا البيان فيه تأسٍ بالسنة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم بين الصفات التي ينبغي أن يطلب المسلم من خلالها زوجته، وكذلك أثنى الله عز وجل على الصالحات من فوق سبع سماوات حتى يلفت الأنظار إلى أمانتهن وحفظهن وقيامهن بحقوق الزوجية.
قوله رحمه الله: [بكر] أي: يسن نكاح البكر، وهذه الصفة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حينما قال لـ جابر رضي الله عنه: (هَلَّا بكراً تلاعبها وتلاعبك)، وفي البكر مميزات تعين على غض البصر وحفظ الفرج.
ومقصود الشرع من النكاح: أن يغض المسلم بصره، وأن يحفظ فرجه، فالبكر معينة على ذلك.
وأما بالنسبة للثيب فإن فيها صفاتٍ تفضَّل بها على البكر باعتبارٍ آخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أكثرُ نسائه كن ثيبات، وهذا مبني على أمورٍ: إذا نكح الرجلُ المرأةَ الثيبَ من خلالها عَظُم أجرُه وكان محصلاً لثواب، فيجمع بين خيري الدنيا والآخرة، فمن ذلك: أن تكون الثيبُ أرملةً، أو يكون للثيب أيتام يحب أن يتزوجها فيحفظ أيتامها ويجبر خاطرها، أو يكون لهذه الزوجة وجه صلة؛ كأن تكون زوجةً لأخيه فيموت عنها ويخلف أيتاماً له، فيحب أن يقوم على زوجة أخيه ويرعى أيتامه.
فمثل هذه الأمور ومثل هذه المقاصد يعظم بها الأجر، وتفضَّل بها الثيب على البكر؛ لأنها مقاصد شرعية، وثواب الإنسان فيها قد يكون أعظم من حظه لنفسه، وهذا هو الذي فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد نكح جملةً من النساء كن أزواجاً لأصحابه رضي الله عنهم، فطيَّب الخواطر، وكذلك جمع الشمل.
فمثل هذه المقاصد العظيمة والمعاني الكريمة تفضَّل بها الثيب؛ لكن من وجه.
ومما يدل على هذا الاستنباط الذي اختاره بعض العلماء: أن جابراً رضي الله عنه لما ذكر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تزوج، فقال له لما أخبره أنها ثيب: (هَلَّا بكراً تلاعبها وتلاعبك) فذكر جابر العلة؛ وهي أن والده عبد الله بن حرام رضي الله عنه وأرضاه توفي وترك له أخوات، فأحب أن ينكح الثيب حتى تقوم عليهن وترعاهن، وهذا مقصد عظيم يعظم به الأجر ويكثر به الثواب، فأقره رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، ودل هذا على أن الثيب قد تُفَضَّل باعتبارات مثل هذه.