قال رحمه الله: [وفعله مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات] هذه الجملة أولاً: ما معناها؟ ثانياً: ما موقف العلماء منها؟ المراد بهذه الجملة: أن إعفاف الرجل لنفسه وإعفافه لزوجه بالوطء أفضل من نوافل العبادات، وبناءً على هذا يترتب أن النكاح فيه عبادة؛ لأنه لا يفضل على نوافل العبادات إلا ما كان مشتركاً بينها وبينها في حصول الثواب، فقوافل العبادات من قيام ليل ونحو ذلك، قال بعض العلماء: النكاح أفضل منها، فأصبح النكاح عبادة من هذا الوجه، فيحتاج المصنف إلى دليل شرعي يدل على أن النكاح يعتبر عبادة، وهذا الدليل جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله! أيأتي أحدنا شهوته ويكون له بها أجر؟! قال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟!) فدلت هذه الجملة على أن النكاح فيه جانب العبادة، وأنه بإعفافه لزوجه يكون قد حصَّل ثواباً قد يفضل نوافل العبادات.
المسألة الثانية: ما موقف العلماء من هذه المسألة؟ الجمهور يفضلون النكاح على نوافل العبادات، والشافعية يخالفون في هذه المسألة ويرون أن النكاح شهوة، وأنه لذة وهو إلى الدنيا أقرب منه إلى الدين، ولذلك قرنه الله بشهوة الذهب والفضة في قوله: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [آل عمران:14] فالله سبحانه جعله من متاع الدنيا ولم يجعله عبادة ولم ينص على كونه عبادة، وقرنه بالمال وبالقناطير والمقنطرة وبالمغريات في الدنيا وفتنها، فقالوا: إنه ليس بأفضل من نوافل العبادات لهذا النص.
والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور، وأن النكاح فيه جانبان: جانب دنيوي، وجانب ديني؛ وأن الجانب الديني مُثاب صاحبه، ومأجور غير مأزور، ويعظم ثوابه أكثر في مسائل: إذا قصد بها وجه الله عز وجل، كرجل يتزوج ثانيةً عَرَف منها الدين والاستقامة، وأصبحت أرملة بعد زوج، فأراد أن يضمها إليه لعلمه أنها تُفْتَن أو أنها تحتاج إلى من يعولها، فأشفق عليها وأحسن إليها، أو زوجة مات عنها أخوه، فأراد أن يضمها لأيتام أخيه، أو أراد أن يضمها لأيتام عندها من أبناء عمه أو أبناء عمومته أو قرابته، يقصد بذلك الإحسان والبر، فمثل هذه المواقف في النكاح لا شك أنها تفضله وتزيد من أجره وتزيد من ثواب صاحبه.
والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور لصحة الدليل على ذلك.