معنى الأنصباء والأجزاء

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فيقول المصنف رحمه الله: [باب الوصية بالأنصباء والأجزاء].

الأنصباء: جمع نصيب، ونصيب الإنسان حظه المقدّر، والمراد هنا: ما قدره الله تبارك وتعالى للوارثين، فقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بإعطاء الوارثين حقوقهم، فأعطى الله جل جلاله كل ذي حق حقه من التركة، وجعل هذا الإعطاء مقدراً بمقادير معيّنة، أو يكون تعصيباً ينال الإنسان به ما فضل عن أصحاب المواريث، كما سيأتي -إن شاء الله- في كتاب الفرائض.

فالمراد هنا بقوله: (بالأنصباء): نصيب الوارث، وقوله: (الأجزاء): جمع جزء، وجزء الشيء بعضه، سواء كان أكثر البعض، أو نصفه، أو أقل من ذلك.

وقوله رحمه الله: (باب الوصية بالأنصباء والأجزاء)، هذا الباب يذكر فيه الموصِي أنه قد أعطى من أُوصِي له قدراً معيناً أو مبهماً يمثِّله بنصيبٍ لوارث؛ كأن يقول: أعطوا خال أولادي مثل أُخته، فأخته زوجة، ولها نصيب في كتاب الله عز وجل حيث ترث الثمن إذا كان هناك أولاد، فلما قال: أعطوه مثل نصيبها، فمعناه أنه يريد أن يعطيه الثمن.

وفي بعض الأحيان يقول: أعطوا فلاناً أقل نصيبٍ لوارث، فحينئذٍ لا يُحدِّد، وإنما يبيّن أن له الأقل، فننظر فربما كان الأقل أثناء كتابته للوصية شيئاً، ثم يختلف بعد موته فيكون شيئاً آخر.

وفي بعض الأحيان يقول: أعطوا فلاناً من تركتي جزءاً أو سهماً أو حظاً أو شيئاً، فيبهم، ففي هذه الأحوال -أي: كلها- درس العلماء رحمهم الله هذا النوع من الوصايا، وعند التأمل والنظر نجد أن هذا النوع من الوصايا يرجع إلى كتاب الفرائض.

والمسائل فيه مسائل حِسابية، ولكن المصنف رحمه الله والعلماء يفردونه بباب مستقل عناية به، وقد تقدم بيان السبب في هذا، وهو أن أهل العلم رحمهم الله ربما يقتطعون من الباب العام أو الكتاب العام مسائل تُذكَر في مواضع خاصة مفرقة على حسب مناسبات كتبها وأبوابها.

فقد تقدم معنا أن كتاب القضاء ينتضمن أحكام الشهادات والبيِّنات، فربما ذكر العلماء رحمهم الله مسائل من القضاء في كتاب البيوع، ويذكرون مسائل البيوع المتصلة بالقضاء؛ لأنهم يرونها في هذا الباب ألطف.

وعلى كل حال: هذا بابٌ مهم، ولذلك يقول عنه الإمام النووي رحمه الله في الروضة: (هذا فن طويل، ولذلك جعله العلماء علماً برأسه، وأفردوه بالتدريس والتصنيف).

قوله: (هذا فن طويل جعله العلماء علماً برأسه) يعني: من عناية أهل العلم به أنهم جعلوه رأساً، وإلا فالمفروض أن يكون مندرجاً تحت الفرائض؛ لكنهم جعلوه رأساً مستقلاً، وأفردوه بالتصنيف والتدريس، فصنفوا فيه، ولذلك قال المصنف رحمه الله: (باب الوصية بالأنصباء والأجزاء)، فأفرده ببيانه وتدريسه.

وهذا الباب مسائله كثيرة جداً، وهو من أمتع الأبواب في دراسة مسائله الحسابية، لكن بعد إتقان الفرائض، ولا يستطيع الإنسان أن يضبطه ضبطاً تاماً إلا بعد إتقانه للفرائض، مع الإلمام بأصول الأحكام المتعلقة به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015