توقف إمضاء الوصية بما زاد على الثلث على قبول الورثة

وقوله: (ولا لوارث بشيء إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت فتصح تنفيذاً (قوله: (إلا) استثناء أي: إلا أن يجيز الورثة ما زاد عن الثلث، فنسأل الورثة ونقول: هذا الزائد عن الثلث هل نمضيه أو لا نمضيه؟ فمثلاً: لو كان الثلث مائة ألف، وهو قد أوصى بمائتي ألف، فحينئذٍ نسأل الورثة عن المائة الزائدة؛ لأن الوصية تصح في المائة الأولى، وتبقى المائة الثانية موقوفة على إجازة الورثة، فإذا سألنا الورثة فإن جوابهم لا يخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن يتفقوا.

الحالة الثانية: أن يختلفوا.

وإذا اتفقوا فإما أن يتفقوا على الإمضاء، وإما أن يتفقوا على الإلغاء، فإذا اتفقوا على الإمضاء، وقالوا: رضينا ما وصى به والدنا، أو ما وصت به الوالدة، فحينئذٍ تمضي المائتان، وتنفذ الوصية في المبلغ كاملاً، في المائة الأولى استحقاقاً للميت، والمائة الثانية إما تنفيذاً وإما ابتداءً.

وأما إذا اتفقوا على إلغاء الوصية، كأن يكون الورثة فقراء ضعفاء، ووالدهم ترك لهم مائتي ألف، وتصدّق بما زاد على الثلث فقال: نصف مالي صدقة، أو أُوصي أن نصف مالي يُتصدق به، فنسأل الورثة فيما زاد: هل توافقون؟ فإن قالوا: نحن أحوج، ونريد هذا المال، ولا نريد إمضاء هذا الزائد على الثلث، فنقول: هذا من حقكم، ولا تثريب عليكم، وهذا ليس بعقوق للوالدين، فلا يظن أحد أن هذا عقوق، ولو كان عقوقاً لما أمر الله به، ولما أحله من فوق سبع سماوات، ولكن قد ينظر الوالد شيئاً لحظ نفسه، وأيضاً الوارث ينظر لحظ نفسه، فالوالد ينظر إليه تطوعاً وتفضلاً، والوارث يراه لحظ نفسه واجباً وإلزاماً؛ فلو كان -مثلاً- أحد أولاده عليه ديون أو حقوق، ورأى أن والده أوصى لغيره، فلو أنه أمضى وصيته فيما زاد على الثلث لتضرر هو فيما يكون من استحقاقه من الإرث، فعند ذلك من حقه أن يقول: لا أمضيها، تقديماً لحقوق أولاده؛ لأن الأولاد لهم حق، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (ابدأ بنفسك وبمن تعول)، فجعل بعد النفس من يعول، ففي هذه الحالة إذا اتفقوا على الإمضاء أو اتفقوا على الإلغاء فلا إشكال.

الحالة الثانية: أن يختلفوا، فيقول بعضهم: نمضي، ويقول بعضهم: لا نمضي.

فمثلاً: لو أنه ترك ابناً وبنتاً، فوصّى بما زاد على الثلث، ثم سألنا الابن والبنت، فقالت البنت: أنا أُجيز ما أمضاه والدي، وقال الابن: لا أُجيز، فحينئذٍ تنفذ بقدر ثلث ما زاد على الثلث؛ لأن الزائد على الثلث استحقاق للابن والبنت، والابن له مثل حظ الأنثيين، فمعنى ذلك: أن للابن سهمين فيما زاد على الثلث، وللبنت سهم واحد فيما زاد على الثلث، فإن أمضت البنت مضى ثلث ما زاد على الثلث، وإن أمضى الذكر مضى ثلثا ما زاد على الثلث.

فلو كان الذي زاد على الثلث ثلاثة آلاف ريال، فسألنا البنت فقالت: أمضوه، وقال الولد: أنا محتاج، فحينئذٍ نمضي ألفاً ونبقي ألفين، فصحت في الألف والتغت في الألفين.

وعلى هذا فإنه يُنظر إلى نصيب كل وارث، فإن اختلفوا فيصح في استحقاق كل ذي حق بقدر نصيبه من ذلك الزائد على الثلث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015