قوله: [ويجوز هبةُ كلِّ عينٍ تُباعُ] الشيء الموهوب هو كل عين تُباع، فكل ما جاز بيعه جازت هبته.
فمثلاً: يجوز أن يهب العقارات، كالأرضين والدور والمساكن والمزارع والمنقولات المباحة، مثل السيارات في زماننا والدواب والأطعمة والأكسية والأغذية، هذه كلها أعيان تباع وتجوز هبتها.
مفهوم ذلك: أن ما لا يجوز بيعه لا تجوز هبته.
ومن أمثلة ذلك: الخمر والميتة والخنزير والأصنام، فقد صح من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما سمع النبي صلى الله عليه وسلم غداة فتح مكة يقول: (إن الله حرم بيع الميتة والخمر والخنزير والأصنام)، فهذه منصوص على تحريم بيعها، فلا تصح هبتها.
فلو وهبه خمراً أو ميتة مثل الحيوانات المحنطة غير المذكاة ذكاة شرعية مما تشترط لها الذكاة، أو وهبه خنزيراً أو ما هو مُصَنَّع من الخنزير ومن شحومه، أو وهبه أصناماً أو صوراً مجسمة، فإنها لا تصح هبتها؛ لأن الشريعة نصت على أن هذه الأمور لا يجوز بيعها، وجمهرةُ العلماء نصوا على أن كل ما جاز بيعه جازت هبته.
وبناءً على ذلك: يشترط أن يكون مالكاً لهذا الشيء الذي يهبه، وأن يكون الشرع قد أذن بالمناقلة فيه والملكية.
ومن هنا يظهر الخطأ في قول من قال: يجوز التبرع بالأعضاء؛ ويُحَرِّم بيعها.
فالأصل أنه كل ما جاز بيعه جازت هبته.
فإذا قالوا: بأنه لا يجوز بيع الأعضاء؛ دل هذا على أنه لا يملكها، وإذا كان لا يملكها فإن أصل الهبة قائمة على الملكية.
ومن هنا ضَعُف قول من يقول بجواز التبرع، من هذا الوجه؛ لأنه يرى أن الملكية ليست بثابتة، بدليل أنهم يقرون بعدم جواز بيعها، وإذا ثبت أن الملكية ليست بثابتة، فإنه لا يصح أن يهب الإنسانُ شيئاً لا يملكه.
ثم لو سُلِّم فرضاً أنها مملوكة للإنسان فهذا التمليك قاصر، ولذلك لا يجوز للإنسان أن يبيع نفسه، فقد تملك الشيء ولا يجوز أن تعطيه للغير، كما في أم الولد، فإن المرأة ملك لسيدها ويطؤها وهي ملك يمينه، ولا يجوز له بيعها، فقد جاء في الحديث: (أنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد).
ولذلك نص العلماء كالإمام النووي وغيره أن الشيء قد يكون ملكاً غير قابل للتمليك وغير قابل للبذل بأن يملكه للغير.
فالشاهد أن مسألة الهبة يشترط فيها أن تكون مما أذن الشرع وسلط المكلف على التصرف فيه بالبذل للغير، خاصةً وأنه بذل بدون عوض.
فيجوز هبة العقارات والمنقولات والمبيعات المباحة، ولا بأس بذلك.
قوله: [وكلبٍ يُقْتَنى] أي: يجوز هبة الكلب الذي يُقْتَنى مثل كلب الصيد والماشية والزرع، فهذه الأنواع الثلاثة من الكلاب -أكرمكم الله- أذن الشرع فيها بهذه المنافع، فإذا وهبها من أجل هذه المنافع صحت هبته، كما اختاره المصنف -رحمه الله- ونص عليه.