قال رحمه الله تعالى: [وهو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة] (وهو) أي الوقف (تحبيس) يقال: حبس الشيء إذا منعه، ومنه الحبس؛ لأنه منع من الخروج، وقوله رحمه الله: (تحبيس الأصل) أي: سواء كان من العقارات كما ذكرنا في المزارع والدور، أو من المنقولات كالدواب والحيوانات ونحوها، وفي أزمنتنا السيارات فيمكن تسبيلها، مثل شراء السيارات لنقل طلبة العلم ولنقل الماء، وهذا من أعظم ما يكون فيه الأجر خاصة في هذا الزمان، فربما كان الناس يبعدون عشرات الكيلو مترات عن الآبار وتحصل المشقة لهم في سقي دوابهم، وسقي أهليهم وذويهم، فشراء مثل هذه السيارات يعتبر تحبيساً للأصل.
(وتسبيل المنفعة): وقد ذكرنا أن هناك العين وهناك المنفعة، فالعين هي الرقبة ذاتها كالبيت والمزرعة، وأما المنفعة فهي المصلحة الناشئة من العين، مثلاً: السيارة منفعتها الركوب، ومنفعتها الحمل عليها، فإذا أوقف مثلاً سيارة نقل الماء فإنه يحبِّس العين وهي السيارة، لا تباع ولا توهب ولا تورث، والمنفعة وهي نقل الماء مسبّلة على الجهة عمّمَها أو خصّصَها، فهذا تحبيس للعين وتسبيل للمنفعة.
كذلك أيضاً لو أوقف بيتاً أو عمارة وقال: هذه العمارة للمطلقات الفقيرات، أو الأرامل، أو للضعفة والفقراء ونحو ذلك، فإن الرقبة أو العين وهي البيت لا تباع ولا توهب ولا تورث، فحُبِسَت؛ لكن منفعة السكنى فيها والجلوس فيها لمن سمى عمّم أو خَصَّص، كذلك المسجد، فالعقار (الأرض) والبناء الذي عليه لا يباع ولا يوهب ولا يورث، ولكن منفعة الجلوس فيه، والصلاة فيه، وذكر الله عز وجل فيه، من تلاوة القرآن، وطلب العلم، فإنه يعتبر منفعة مسبّلة للمسلمين.
إذاً تحبيس العين وتسبيل الثمرة مستقى من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن شئت حبّست أصلها وتصدقت بثمرتها) ومن هنا نعلم أن العلماء رحمهم الله يحتاطون في التعريفات الشرعية حيث إنهم يأخذونها غالباً من السنة، ومن الأدلة التي دلت على حقيقة الشيء.
فلما بين النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحديث حقيقة الوقف، وقال: (إن شئت حبّست أصلها وسبلت وتصدقت بثمرها) دل على أن حقيقة الوقف تحبيس العين وتسبيل المنفعة.