عرفنا أن القول الراجح هو: أن العارية مضمونة بدلالة السنة على ذلك، لكن يرد
Q إذا كانت مضمونة؛ فلو أن شخصاً أراد أن يستعير منك كتاباً وقال: أستعيره بشرط أني لا أضمنه، هل من حقه ذلك أو لا؟ وهل هذا الشرط الذي اشترطه عند الاستعارة يسقط الضمان أو لا يسقطه؟ على القول بأن الضمان ثابت، يصبح الخلاف عند الشافعية والحنابلة قولان: القول الأول: الشرط باطل؛ لأنه مصادم للسنة، والسنة تقول: (بل عارية مضمونة)، ودل على أن شأن العواري أن تضمن، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل، وإن كان مائة شرط)، فالشروط التي تعارض الشرع لا يلتفت إليها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصف هذه العارية بكونها مضمونة، فلا يمكن أن نلغي هذا الوصف بالشرط.
القول الثاني: أن العارية إذا قلنا بضمانها يمكن إسقاط الضمان بالشرط، فتقول له: أستعير منك السيارة بشرط أن لا أضمنها إذا تلفت؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (المسلمون على شروطهم) وهذا مسلم قد اشترط أنه لا يضمن عاريتك.
والصحيح: أن الشرط فاسد؛ لأن السنة دلت على وصف العارية بأنها مضمونة، وأن من شأنها أن تضمن؛ فإذا اشترط أنه لا يضمن فقد خالف شرع الله عز وجل، ولذلك نقول: لا نعرف العارية في الشرع إلا مضمونة، خاصة وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فألزم الرد.
ثم إننا وجدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يفصل في الشروط فيقول: (كل شرط ليس في كتاب الله ... ) والمراد بقوله: (ليس في كتاب الله)، ليس في الكتاب والسنة؛ لأن السنة من كتاب الله كما قال: (ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه) فإذا كان الشرط يعارض السنة ويخالفها ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) فإننا نقول بالضمان.
الأمر الثاني: مما يرجح هذا القول: أنه كما ترجح من جهة الأثر يترجح من جهة النظر، فإن صاحب الشيء المستعار الذي أعطاك سيارته أو كتابه قد تفضل وأحسن، ولا يمكن أن نجعل عليه غرمين، فهو لم يأخذ أجرة مقابل المنفعة، وليس من العدل أن نقول: وأيضاً تضمن التلف، بل العدل أن هذا يأخذ العارية وينتفع بها ويتحمل مسئولية ردها ويضمنها؛ بناء على ذلك: لو اشترط المستعير على المعير أن لا يرد فقد أجحف به وأضر، ولم يتحقق العدل الذي قامت عليه هذه الشريعة؛ وبناء على ذلك لابد من عدل بين الطرفين: المستعير والمعير، ونقول: إنه إذا اشترط فإن الشرط مجحف وفيه ضرر؛ فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه.