قال رحمه الله: [وتضمن العارية بقيمتها يوم تلفت ولو شرط نفي ضمانها].
هذه المسألة مسألة خلافية، وهي: إذا استعار شخص منك شيئاً هل يضمن أو لا يضمن؟ كشخص استعار منك السيارة ثم تلفت في الطريق، هل نقول: عليه الضمان أو لا ضمان عليه؟ قبل الدخول في هذه المسألة ينبغي أن نعلم أن التلف ينقسم إلى قسمين: القسم الأول: إما أن يكون التلف بالتعدي والتفريط.
فهذا بإجماع العلماء يضمن فيه المستعير، فلو خرج بالسيارة وساقها على طريق فيه ضرر نقول: يضمن، فكل شيء فيه تعدٍٍ وإساءة وإضرار تنتقل فيه يد الأمانة إلى الضمان بإجماع العلماء؛ فإذا أخذ منك أي شيء ولم يحسن التصرف أثناء أخذ منفعته المأذون بها فإنه ضامن.
القسم الثاني: أن يأخذ منك الشيء ولا يتعدى ويحسن الانتفاع به؛ فتأتي آفة سماوية أو معتدٍ مجهول ويفسد هذا الشيء، كما لو أخذ منك السيارة ثم أوقفها في مكان أمين، فجاء شخص وأخذ منها أشياء ففي هذه الحالة يرد
Q هل يضمن أو لا يضمن؟ إن أخذ منك كتاباً فجاء شخص وأتلفه ولم نعلم من الذي أتلفه، إذ لو علمنا لضمناه، لكن السؤال: إذا لم نعلم، وقال: والله إن الكتاب الذي أخذته منك سرق.
في هذه الأحوال كلها إذا كان فيه تعدٍ يلزمك الضمان، لكن إذا لم يفرط هل يضمن أو لا؟ قولان عند العلماء: القول الأول: كل عارية تؤخذ من صاحبها فإنها مضمونة حتى ترد، وهذا القول هو مذهب الشافعية والحنابلة وطائفة من أهل الحديث وأئمة السلف رحمة الله على الجميع.
القول الثاني: العارية لا تضمن إلا إذا تعدى، وهذا مذهب المالكية والحنفية، والمالكية عندهم تفصيل بين الشيء الظاهر والشيء الخفي، لكن من حيث الجملة متفقون مع الحنفية على أن العارية لا تضمن.
أما بالنسبة للذين قالوا: إن العواري تضمن فقد استدلوا بأدلة: الدليل الأول: ما رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والنسائي وأحمد في مسنده وصححه الحاكم وغيره من حديث سمرة -وفيه الخلاف المشهور في سماع- الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) والصيغة صيغة إلزام ومعنى: (على اليد) الشخص الذي أخذ، فذكر الجزء وأراد الكل، وهذا معروف في لغة العرب كقوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ) [المسد:1] {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج:10] والمراد: كلك، فقوله: (على اليد)، يعني: على الإنسان الذي أخذ أن يؤدي الذي أخذه، فإذا أخذ منك قلماً يكتب به؛ يلزمه أن يرد ذلك الشيء، فلما قال: (عليه)، معناه: أنه ضامن، متحمل للمسئولية، ومعناه: أنه متكفل بذلك الشيء؛ بحيث لو طرأ عليه أي ضرر فإنه يتحمل مسئوليته.
الدليل الثاني: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم وصححه غير واحد من العلماء: أنه لما أراد الخروج إلى غزوة حنين استعار من صفوان رضي الله عنه وأرضاه أدرعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد غزو حنين خرج معه المسلمون والمؤلفة قلوبهم من مكة، فزاد عدد الجيش الذي خرج من المدينة مع الذين أسلموا يوم الفتح، فاحتاج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مثل هؤلاء أن يكون معهم سلاح زائد، فاستعار من صفوان رضي الله عنه سلاحه وأدرعه فقال صفوان: (أغصباً يا محمد!) يعني: هل أخذت مني هذه العارية بالقوة والغصب والقهر، فقال عليه الصلاة والسلام: (بل عارية مضمونة) أي: ما أخذت حقك -وما كان صلى الله عليه وسلم ليأخذ حقوق الناس- بل سأقضي بها حاجتي ثم أردها إليك، ثم قال: (مضمونة) أي: أتحمل ردها إليك كاملة.
فهم من هذا الفقهاء رحمهم الله الذين يقولون بالضمان: أن كل عارية تأخذها فأنت مسئول عنها حتى تردها كاملة إليه، يستوي في ذلك العقار كالبيوت ونحوها أو المنقولات كالسيارات ونحوها.
فائدة هذا الحديث في دلالته على هذه المسألة: أننا نلزمك برد الشيء الذي أخذته حتى ولو تلف بدون اختيارك أو تفريط منك، وهذا معنى قوله: (بل عارية مضمونة) أي: سأرد لك هذا الشيء الذي أخذته منك عارية ولا أفرط فيه حتى يعود إليك كما أخذته.
القول الثاني: الذين قالوا: بأنه لا يضمن، استدلوا بالقياس، وقالوا: الأصل العام في قواعد الشريعة: أن العارية كالوديعة، وكما أن الوديعة أمانة ولا تضمن إلا إذا فرط من استودع، كذلك العارية لا يضمن المستعير إلا إذا فرط فيها وعرضها للضرر، والصحيح ولا شك هو وجود الضمان وثبوته.
فائدة الخلاف: أننا إذا قلنا: إنها مضمونة.
فإنك لو أعطيت سيارة أو داراً وحصل أي ضرر على هذه السيارة أو الدار ولو لم يكن للمستعير فيه دخل ولم يكن بتفريط منه فإنه يلزمه الضمان، وكما أخذها كاملة يردها كاملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (على اليد ما أخذت حتى تؤديه) وقال: (بل عارية مضمونة) هذا بالنسبة لمسألة الضمان.