قال رحمه الله: [وهي عقدٌ جائز] أي: المساقاة عقدٌ جائز، وقد تقدم في مقدمات البيوع أن العقود منها ما هو عقدٌ لازم، ومنها ما هو عقدٌ جائز، وبينّا أن العقد اللازم هو العقد الذي لا يملك أحد الطرفين فسخه إلا برضا الآخر، فلا يستطيع أحد أن يتخلى عن هذا العقد من طرفٍ واحد، بل لا بد وأن يستأذن الطرف الثاني، ويوافق على فسخه.
فمثلاً: إذا بعت سيارة واشتراها منك الغير لا تستطيع أن ترجع عن بيعك بعد حصول الافتراق حتى يرضى ذلك الغير؛ لأن العقد يلزمك.
وهناك عقود جائزة ممكن أن تفسخها في أي وقت، وسواء عندك عذر أو لا عذر لك، مثل المضاربة ومثل الشركة، وهي العقود التي يملك فيها كل واحد من الطرفين الفسخ دون رضا الآخر.
يبقى
Q هل عقد المساقاة عقدٌ لازم أم جائز؟ وجهان للعلماء رحمهم الله، والأكثرون على أن عقد المساقاة عقدٌ لازم، وذهب طائفةٌ من العلماء واختاره الإمام ابن قدامة رحمه الله وهو رواية عن الإمام أحمد إلى أن عقد المساقاة عقدٌ جائز، والحقيقة أن القول بالجواز فيه قوة، لكن قد يئول إلى اللزوم.
ولذلك قد يجمع بين القولين كما اختاره بعض أصحاب الشافعية؛ أنه في بدايته جائز ولكنه يئول إلى اللزوم بالشروع والدخول، فإذا دخل العامل، وتمكن من العمل -أي: قام عليه- فلو قلنا من حق رب المال أن يفسخ العقد فإنه سيضر بالعامل، وهذا هو الذي دعا جمهور العلماء إلى أن يقولوا: عقد المساقاة عقدٌ لازم، فلو كان جائزاً لضر بالعامل، لأنه يمكن أن يأتي رب المال فجأة قبل طلوع الثمرة وبعد أن يعمل العامل شهراً أو شهرين أو ثلاثة ثم يقول له: فسخت العقد بيني وبينك، فهذا فيه ضرر على العامل، ولكن إذا قيل بالجواز إلى اللزوم فإنه أشبه وأقوى.
وأجاب الإمام ابن قدامة رحمه الله عن هذا الإشكال بأنه ليس من حق رب المال أن يُخرِج العامل في هذه المسألة، وبيَّن أن ذلك مثل المضاربة، فهي عقدٍ جائز، ولكن إذا اشتمل فسخها على ضررٍ أحد الطرفين كان من حقه أن يعترض على الفسخ، وهذا القول الذي اختاره الإمام ابن قدامة فيه قوة، أعني: القول بالجواز كما ذكرنا، وإن كان يئول إلى اللزوم فهو أشبه وأقوى.