قال رحمه الله: [وعلى شجرٍ يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر، بجزءٍ من الثمرة] تصِحّ على كل شجرٍ له ثمر، وقد بينّا الحكم فيما إذا لم توجد الثمرة، وفيما لو ظهرت الثمرة.
يبقى
Q الضورتان الماضيتان إذا نظرت إليهما وجدت أن النخل سيطلع، فمعناه: أن الغالب خروج الثمرة.
لكن النخل الصغير وهو ما يُسمى بالفسائل وولائد النخل، وتسمى في عرف العامة اليوم (الصنو)، وبعضهم يقول إنها عربية من (أصنية النخل).
ومن باب العلم فإن هذه الأصنية تؤخذ وتُقَص من أمها بطريقة معينة، ولا تقص إلا بعد بدو العرق فيها، وذلك كما أن الجنين لا يولد إلا بعد اكتمال خلقته، فالصنو لا يُقص إلا بعد تكون العرق، فإذا خرج العرق من أسفل الصنو صلح قصه، وإلا مات.
ومن باب المعرفة والعلم فإن النخل الذي يؤخذ من تحت أمه يُقص ويقلع ثم يُوضَع في فِقَر، وقد جاء في حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اذهب يا سلمان، فإذا فرغت فآذني أكون معك حتى أضعها بيدي، قال سلمان: ففقرت لها)، يعني الفسائل.
فالنخل إذا أُخِذ من الأم، ووضعته في هذه الفقر يبس، إلا إذا كان قد أطلق العروق واخضر، فحينئذٍ يكون بقيلاً، وإنما يسمى بالبقيل إذا نجا أو كان الغالب نجاته.
لكن إذا كان عالياً عن الأرض أو قريباً من الأرض والعروق فيه صغيرة فيحتمل موته بعد نقله من أمه؛ لأنه فقد التغذية من أمه ولم يُطلق عروقاً.
فإذا أخذ من أمه ووضع في الفقرة، فيحتمل أن ينجو وأن يموت، فأخذها عليه الصلاة والسلام وفُقِّرَت الثلاثمائة صنو، فما مات منها صنوٌ واحد، وهذا من معجزاته عليه الصلاة والسلام، وقد تأخذ ألف صنو فتموت جميع الأصنية ولا ينجو منها واحد؛ لأن الله لم يكتب لك فيها رزقاً.
فإذاً: مسألة الصنو تحتاج إلى مخاطرة، فقد تأتي بالصنو وتقول لرجل: اغرس لي الأصنية، فإن أطلعت قم عليها، وثمرتها بيني وبينك، وهذا يسمى بالمغارسة.
فالصورتان اللتان ذكرناهما مساقاة، وهما: إذا كان النخل موجوداً والثمرة غير موجودة، أو كان النخل موجوداً والثمرة موجودة.
لكن الصورة التي معنا: يكون النخل فيها بين السلامة والهلاك، ثم إنها سيأخذ فترة، وقد يُطلِع السنة القادمة أو بعد سنوات، فيقول له: اغرس لي الأصنية ثم إذا أَطلَعَت فالثمرة بيني وبينك، وهذا يقع غالباً في المزارع الجديدة.
فاختلف العلماء هل تصح المغارسة أم لا؟ فمذهب جمهرة العلماء القائلين بجواز المساقاة يجيزون المغارسة وهي: أن يغرس النخل على أن يكون له جزءٌ من ثمرته إذا أطلَع.
فقال رحمه الله: [وعلى شجرٍ يغرسه ويعمل عليه حتى يثمر] وهذا يقع على صورتين: فمثلاً عندك مزرعة، وهذه المزرعة فرضنا أن طولها مائتا متر، مائة متر منها مزروعة وفيها نخل كبير، فأنت تريد أن تحيي الأرض بكاملها، فتحتاج إلى أن تضع بعد النخل المزروع النخيل الجديد فتأخذ بنات القديم وتضعها في الأرض الجديدة، فتقول له: عاملتك على أن تأخذ هذه الفسائل وتقلعها من الأمهات ثم تغرسها في هذه الأرض البكر -ويُفَقِّر لها ويغرسها ويقوم عليها- والثمرة بيني وبينك مناصفة، فهذه تسمى بالمغارسة، أي: على أن يغرس ويكون له جزء من الثمر.
فإذا كنا نقول: الحكم لا يختص بالنخل فالمسألة تشمل أيضاً العنب، فالعنب يؤخذ من عقده، ويقص بطريقة معينة، ثم تؤخذ هذه الأغصان، وتُقَص في موسم معين ثم تُزْرَع وبقدرة الله عز وجل تنمو.
وبعض الأحيان يأخذون غصن العنب ينزلونه إلى الأرض، ثم يحفرون له في الأرض ويدفنوه في موسم معين، فيطلق هذا الغصن عروقاً فيُقَص فيما بينه وبين أمه القديمة، ثم يُنقل هذا الجديد إلى موضعٍ آخر، هذا بالنسبة للعنب.
كذلك شجرة الليمون تأخذ منها غصناً وتدلِّيه إلى الأرض، أي: تعكس الغصن إلى الأرض إذا كان يحتمل ذلك، وتحفر له بطريقة معينة، ثم تضعه على الأرض في نفس الحفرة هذه فيخرج طرفه من المكان الثاني ويكون جزؤه متصلاً بالأم يرتوي منها، ثم الجزء الآخر خارجاً من بعد الفقرة التي حفرتها، ثم تدفنه وتضع عليه طوبة أو حجراً، ثم يمكث ما شاء الله عز وجل، فإذا رأيت أن الغصن أصبح أمتن من الغصن الخارج من الأم، علمت أنه قد تهيأ وتمكن من الأرض فتقطعه من أمه ولا يضره؛ لأنه قد اعتمد على نفسه.
وهذا عجائب قدرة الله! فسبحان من خلق كل شيء فقدره تقديراً! ولا يمكن أن تضع هذا الغصن إلا في زمان معين وبطريقة معينة، وممكن أن تلقح شجرة الليمون لكي تصير برتقالاً، والمشمش ممكن أن تلحقه بالمشمش؛ فهذه أشياء تحار فيها العقول! ونسأل الله العظيم أن يزيدنا من الإيمان؛ فإن هذا كله مما يزيد من الإيمان، والواجب على كل مسلمٍ أن ينظُر في مثل هذه الأشياء في المقصود منها، وهو الإيمان بالله وزيادة التوحيد إلى درجة اليقين؛ حينما يرى عظمة الله سبحانه وتعالى في خلقه.
فالمقصود: أنه إذا كان عنده مزرعة نخيل يقول له: عاملتك على أن تأخذ بنات النخيل وتفقِّر لها، وتزرع لي هذه الأرض، وإذا اتفق معه على هذا يُحدِّد عدد الفسائل فيقول له: مائة فسيلة أو مائتان أو حسب العدد الذي يريده.
ثانياً: يُحدد له الأرض التي يريد أن يغارسه عليها؛ حتى يكون ذلك أبعد عن الجهالة الموجبة للغرر، كذلك في الليمون والبرتقال والحمضيات ممكن أن يُفَقِّر لها ويزرعها وتكون الثمرة بينه وبين رب الأرض والمزرعة.