لقد قامت مسائل الربا على أحاديث صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهناك أحاديث يعتبرها العلماء رحمهم الله أصولاً لهذا الباب، من ضبطها وألم بمسائلها فإنه يستجمع كثيراً من الأحكام المتعلقة بالربا.
ومن أشهر هذه الأحاديث؛ بل هو أشهرها وأوسعها، ويعتبره العلماء رحمهم الله قاعدة هذا الباب، حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه وأرضاه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، والتمر بالتمر، مثلاً بمثل، سواءً بسواء، يداً بيد).
وفي رواية أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فمن زاد أو استزاد فقد أربى)، وهذا الحديث يعتبر قاعدة لباب الربا.
ونحتاج إلى مقدمة لابد من ضبطها حتى تسهل المسائل التي سنتكلم عليها إن شاء الله فنقول: هناك أصناف حرم الله عز وجل على المسلم أن يبيعها إلا إذا تماثلت، فإذا بعت هذا الصنف بمثله فلابد أن يكونا متماثلين، إما بالوزن إن كانا موزونين، وإما بالكيل إن كانا مكيلين، وهذه الأصناف يسميها العلماء بالأصناف الربوية.
وهناك أصناف وسع الله على عباده، فيجوز أن تأخذ الشيء بأكثر منه، فتأخذ الواحد بالاثنين، وتأخذ الشيء بأضعافه، ولا بأس في ذلك ولا حرج.
فإذا حرم الله عليك أن تبيع هذا الصنف بأكثر منه وزناً أو كيلاً فهذا يسمى بالصنف الربوي، وإذا أباح الله لك أن تأخذ هذا الشيء بأكثر منه وزناً أو كيلاً فهذا صنف غير ربوي، فانقسمت الأشياء التي يتبايع بها الناس إلى قسمين: 1 - أصناف ربوية.
2 - أصناف غير ربوية.
والأصناف الربوية: هي التي لابد فيها من أمرين: 1 - التماثل.
2 - التقابض.
فإذا بعت هذا الشيء بهذا الشيء من الأصناف الربوية فإن الشرع يوجب عليك أن تستلمه يداً بيد، فتأخذ بيد وتعطي بأخرى، وهذا ما يسمى بالتقابض.
إذاً: كل ما يشترط فيه التماثل والتقابض يوصف بكونه صنفاً ربوياً، فإن أسقط الشرع المؤاخذة وأجاز لك أن تبيع الشيء بأكثر منه، وأجاز لك أن تؤخر أحد المبيعين، فهذا صنف غير ربوي.
إذا عرفنا أن الأصناف منها الربوي ومنها غير الربوي، فإن الأصناف الربوية التي سنبينها لا تخلو من حالتين: الحالة الأولى: أن تكون أصنافاً منصوصاً عليها.
الحالة الثانية: أن تكون أصنافاً مقيساً عليها، أو ملحقة بالمنصوص عليه.
وتوضيح ذلك: أن الأصناف التي يحكم العالِم بعدم جواز بيع بعضها ببعض متفاضلة: إما أن يكون فيها نص عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد سمى ذلك الشيء بعينه، فحينئذٍ يسميه العلماء صنف منصوص، أي: أنه من الأصناف الربوية المنصوص عليها.
وهناك صنف ثانٍ ربوي لكنه قيس على هذا ولم ينص عليه النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ألحق به.
أما الأصناف المنصوص عليها فإنها قد جاءت مجتمعة في حديث عبادة السابق، ولذلك يسميه العلماء: حديث الأصناف الربوية، أو حديث الأصناف الستة، وهذا الحديث قاعدة باب الربا، فتفرعت عليه مسائل ربا النسيئة والفضل.
وهذه الأصناف الستة هي كالآتي: الذهب، والفضة، والبر، والتمر، والشعير، والملح، وإذا جئنا نبحث مسائلها سنبحثها على مرحلتين: المرحلة الأولى: أن تباع مع اتحاد الجنس والصنف؛ كبيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والتمر بالتمر، والشعير بالشعير، والملح بالملح.
المرحلة الثانية: نبحث في بيعها مختلفة الجنس أو مختلفة الصنف.
وهذه الأصناف الستة سنقسمها إلى قسمين: القسم الأول: غير المطعوم، وهو جنس الأثمان الذهب والفضة.
القسم الثاني: جنس المطعوم، وهو الأربعة الباقية.