وقوله: [ولا يغسل شهيد]: الشهيد هو شهيد المعركة، ولذلك خصه المصنف رحمه الله بشهيد المعركة، أي: الذي قتل في المعركة، لأن هناك من هو في حكم الشهيد، كالمبطون والغريق والحريق والهدمى والنفساء والطاعون، وغيرهم ممن سمى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كمن قتل دون ماله أو عرضه أو أهله.
فالشهادة من حيث هي -كما يقول العلماء رحمهم الله- مراتب، أشرفها وأكرمها وأقدسها: الشهادة في سبيل الله عزَّ وجلَّ بالقتل؛ لأن صاحبها قد باع أعز ما يملكه وهي نفسه التي بين جنبيه، ولذلك بشر أهل هذه الصفقة فقال: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ} [التوبة:111].
فالمقصود أن الشهيد هنا شهيد المعركة، وهو الذي يقتل في المعركة، ويشمل ذلك: أن يكون قد بقيت منه أجزاء أو بقي كاملاً، فيكون قد طُعن، أو بُقرت بطنه، أو ضرب في مقتل فمات، أو ذهبت أشلاء أو أعضاء منه وبقي جزء من بدنه، فالحكم كله سواء، سواء بقي البدن كاملاً أو بقي أكثر البدن، أو جزء من البدن، وكل ذلك يعامل هذه المعاملة، فلو أنه انفجر وبقيت منه أشلاء وأعضاء، فإنها تجمع كما هي، ثم تدفن بحالها، وهذا على الأصل في الميت أنه إذا تلف بحرق أو نحو ذلك، فإنه يؤخذ ما بقي من بدنه ثم بعد ذلك يعامل معاملة بقية الجسد، على تفصيل عند العلماء رحمة الله عليهم من حيث الغسل وعدم الغسل بالنسبة لغير الشهيد، وشهيد المعركة هو الذي يموت في ساحة المعركة.
وعلى هذا فشهيد غير المعركة فيه تفصيل، فهناك الشهيد الذي يقتل دون ماله، ودون عرضه، ودون نفسه، والمقتول ظلماً كأن يعتدى عليه، فهؤلاء لهم أحكام تخصهم، وهم في حكم الشهداء.
والشهادة أصلاً لا تكون إلا في القتال بين المسلمين والكافرين؛ لكن لو أن طائفتين من المسلمين وقع بينهما قتال تأويل وشبهة، كما وقع لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في معركتي صفين والجمل، فإنه يعامل معاملة الشهيد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحسن: (إن ابني هذا سيد، وسيصلح الله به بين طائفتين عظيمتين من المسلمين).
أما بالنسبة لفئة الجماعة، وهي التي تكون مع إمامهم، فإن من قتل مع إمامهم فهو شهيد بدون خلاف بين العلماء، ويعامل معاملة الشهيد.