قال رحمه الله تعالى: [لين منقٍ غير مضر].
(لين) غير يابس؛ لأن اليابس لا ينقي ولا يحقق مقصود الشرع وقد يضر بالأسنان، والشرع لا يجيز الضرر كما في الحديث -وحسنه غير واحد-: (لا ضرر ولا ضرار) قالوا: إن ما فيه ضرر لا يأمر الشرع به، فإذا كان العود يابساً أضر بالأسنان، وبناء على ذلك قالوا: إنه لا يكون إلا ليناً، ولهذا أصل في حديث أم المؤمنين عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في مرض الموت -كما في الصحيحين-: (دخل عليه عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه وعن أبيه، وفي طرف يده سواك، فأبده النبي صلى الله عليه وسلم بصره، فقالت له عائشة: أتحبه؟ فأشار برأسه أن نعم، قالت: فأخذته فقضمته وطيبته، ثم أعطيته النبي صلى الله عليه وسلم) ففي هذا دلالة على أن السواك لا يكون إلا رطباً، وأنه لا يستاك بالأعواد اليابسة مباشرة.
وقوله: (منقٍ غير مضر).
(منقٍ) أي: منظف للموضع، (غير مضر) لأن الشرع -كما قلنا- لا يأمر بالضرر، بل إن الأمر بالسواك دفع لضرر القلح الموجود في الأسنان وتطييب لها، وقد شرع الله عز وجل هذه السنة بهدي النبي صلى الله عليه وسلم تحصيلاً للمصالح ودرءاً للمفاسد، فلا يؤمر بما فيه مفسدة وفوات مصلحة، إلا في أحوال نادرة في صور مخصوصة وليس هذا منها.
قال رحمه الله: [لا يتفتت].
كونه لا يتفتت هذا الوصف إنما هو من اجتهاد العلماء رحمة الله عليهم، وإلا هو إذا أخذ عوداً من أراك واستاك به أصاب السنة، وكونه لا يتفتت أو كونه ليناً -أي: ليناً طيباً- فهذا كله من الكمالات؛ لأنه يعين على تحقيق مقصود الشرع، حتى أن الأطباء الآن يقولون: كلما كان رطباً وفيه المادة الرطبة كلما كان أبلغ، والمادة هذه تستعمل في معالجة الأسنان ونفع اللثة بخلاف ما إذا تفتت، قالوا: إذا تفتت آذى الفم، فإن فتات العود يؤذي اللسان بالوخز، وهذا الوخز قد يتسبب في أضرار بالإنسان؛ لأنه إذا جرح اللسان ودخل إلى الفم أي شيء مضر سهل نفاذه إلى الدم، وقد يتسمم الإنسان ويهلك، وكذلك يدمي اللثة ويجرح اللثة، وعلى القول بنجاسة الدم كما هو قول الجماهير يزيد الموضع قذراً لا طهارة، فكل هذا من باب النظر إلى مقصود الشرع، فلا يقول قائل: إن هذا كلام من عند العلماء فقط، بل هو مستقى من أصول الشريعة، ودائماً تجدون الفقهاء يتوسعون من باب تحصيل كمالات السنة، وهنا عائشة قالت: (طيبته) ما معنى طيبته؟ قال بعض العلماء: طيبته بإزالة آثاره عند قضمه، وقيل: أي: جعلت فيه طيباً، كماء الورد ونحوه، ولذلك قالوا: يسن أن يكون السواك مطيباً، لكن ما يجعل الطيب الذي يؤثر في العقول، والبعض يظن أنه مطيب، بمعنى: أن يجعله في طيب.