قال رحمه الله تعالى: [ومن أدرك مع الإمام منها ركعة أتمها جمعة].
الأصل أن من أدرك ركعة مع الإمام فقد أدرك الصلاة، وهذا كما ثبت في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام (من أدرك ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)، وكذلك قوله: (من أدرك الركوع فقد أدرك السجدة، ومن أدركها فقد أدرك الصلاة)، فدل على أن من أدرك الإمام راكعاً ولو في الركعة الأخيرة فهو مدرك للصلاة.
وبناء على ذلك فالعبرة في إدراك الجمعة أن يدرك الإمام قبل أن يرفع من الركعة الأخيرة، فلو أدركه قبل أن يرفع من الركعة الأخيرة ولو بيسير وركع معه فإنه يضيف ركعة واحدة، أي أن صلاته صلاة جمعة، ولكن لو وقف فرفع الإمام قبل أن يكبر تكبيرة الإحرام فإنه يكبر مع الإمام، حتى إذا سلّم الإمام أتمها ظهراً، وهذا هو أصح الأقوال من مذاهب السلف رحمة الله عليهم، ودليل السنة الذي ذكرناه واضح في الدلالة على أن من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة.
لكن هنا أمران: أحدهما: إدراك الحكم.
الآخر: إدراك الفضل.
ففي الجمعة والجماعة يدرك الفضل ولو كان قبل تسليم الإمام بلحظة، فمن كبّر قبل أن يسلم الإمام فقد أدرك الفضل، ولكنه إدراك نسبي يتفاوت الناس فيه على حسب الإدراك كمالاً ونقصاً، فإذا أدرك هذا القدر مع الإمام لا تصح جماعته ولا جمعته، ويعتبر مدركاً للفضل، ولذلك قال العلماء: إنه لو دخل الإنسان المسجد فوجدهم في آخر التشهد فالأفضل له أن يكبّر معهم؛ لأنه إذا كبّر معهم أدرك فضيلة الجماعة الأولى.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى بقوله: (فما أدركتم فصلوا)، فإن هذا النص فيه عموم، أي: أي شيء أدركتمونا عليه فصلوه معنا.
ولم يفرّق بين القليل والكثير، ولذلك قالوا: من أدرك الجماعة ولو قبل التسليم بلحظة فالأفضل أن يصلي معهم، ولا ينتظر إلى سلامهم ليحدث جماعة ثانية؛ فإنه لو أحدث الجماعة الثانية فقد أدرك جماعة في الفضل دون الجماعة الأولى، وعلى هذا قالوا: الأفضل له أن يدرك الفضيلتين، فيقول لمن بجواره: إذا سلّم الإمام فائتم بي لأنه منفرد، فإذا كبّر ودخل مع الإمام أدرك فضيلة الجماعة الأولى، ثم يكبّر ويقوم إلى الركعة الأولى، وهو في حكم الجماعة المستأنفة مع الرجل الذي دخل معه.
وقد قال بعض العلماءفي حديث: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)، وفي رواية: (بسبع وعشرين): إن الخمس والعشرين هي أقل الفضائل لمن أدرك آخر الجماعة، كأن يدرك الإمام قبل أن يسلم، ورواية: (سبع وعشرين) لمن أدركها من ابتدائها، ويبقى الفضل فيما بينهما على حسب ما أدرك من الصلاة، سواءٌ أكان في أولها أم آخرها، فهذا بالنسبة لإدراك الفضيلة.
وأما إدراك الحكم فلا يحكم بكون الإنسان مدركاً للصلاة إلا بركعة فأكثر، وعلى هذا فلو أدرك الإمام في الجمعة وهو راكع في الركعة الأخيرة فإنه قد أدرك الجمعة ويضيف ركعة واحدة، فإذا رفع الإمام من الركعة الأخيرة وأدركه بعد الرفع من الركوع فإنه مدرك لفضل الجمعة وليس بمدرك لحكمها، فيلزمه أن يتمها ظهراً، وإلا فليصلها نافلة إذا لم ينو الظهر، ثم يقيم ويصلي بعد ذلك الظهر، فهذا بالنسبة لمن أدرك الإمام بعد الرفع.
وتتفرع على هذا مسائل: منها: صلاة العيدين، فإن صلاة العيدين -إذا قيل: إنها تقضى- تقضى على الصفة إذا أدرك بعضها، ولا تقضى إذا لم يدرك شيئاً منها، فلو أدرك المأموم الإمام قبل أن يرفع من الركعة الثانية من صلاة العيد -عيد الأضحى أو الفطر- فإنه يضيف ركعة يجعلها الثانية، ويكبر فيها خمساً على صفة الركعة الثانية في صلاة العيدين، لكن لو أدرك الإمام في صلاة العيد بعد رفعه من الركوع من الركعة الثانية فإنه يتمها نافلة، وقال بعض السلف: إنه إذا فاته العيد فإنه يستأنفها أربعاً كالجمعة.
وعلى هذا فرّق العلماء بين إدراك الفضل وبين إدراك الحكم، فإدراك الفضل يكون قبل السلام ولو بلحظة، وإدراك الحكم يشترط فيه أن يدرك الإمام قبل أن يرفع رأسه، وقبل أن يسمِّع من ركوعه.
وهنا مسألة، وهي: لو أنك دخلت المسجد فرأيت الإمام يريد أن يرفع، فتحرك الإمام للرفع فكبرت قبل أن يقول سمع الله لمن حمده.
فإذا انتهيت من لفظ التكبير قبل أن يبدأ بالسين من التسميع فأنت مدرك للركوع.
أما لو أنك شرعت في التكبير وقبل أن تنتهي من التكبير، بأن قلت: (الله) وقبل أن تقول: (أكبر) قال: (سمع الله لمن حمده)، فحينئذٍ تكون غير مدرك للركوع، ويلزمك أن تتم ظهراً على الأصل الذي قررناه.
قال رحمه الله تعالى: [وإن أدرك أقل من ذلك أتمها ظهراً إذا كان نوى الظهر].
أي: من أدرك الإمام بعد الرفع من الركوع في الركعة الثانية، أو في السجدة الأولى من الركعة الثانية، أو بينهما، أو بين السجدة الأولى والثانية، أو في الثانية، أو في التشهد، أو قبل السلام ولو بيسير أتمها ظهراً إن نوى الظهر، أما إذا لم ينو الظهر فإنه لا يتمها ظهراً وإنما يتمها نافلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فلا ينعقد ظهره الفرض إلا بنية، فإن نواه اعتد به، وإلا فلا.