قال رحمه الله تعالى: [ويجب الاستنجاء لكل خارج إلا الريح].
لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما حفظ عنه أنه تبول ولا تغوط صلوات الله وسلامه عليه إلا وتطهر، وكان أنس -كما جاء في الصحيحين- يحمل الإداوة معه للنبي صلى الله عليه وسلم ليستنجي بها، وكذلك أيضاً جاء في حديث سلمان وعائشة رضي الله عنهما، وغيرها من أحاديث السنن التي تدل على محافظة النبي صلى الله عليه وسلم على إنقاء الموضع إما باستجمار أو باستنجاء.
أما الاستنجاء فهو: أن ينقي الإنسان الموضع بالماء، كما هو الحال الموجود الآن في البيوت، فإذا فرغ الإنسان من بوله أو غائطه صب الماء على عضوه وأنقاه، وهذا يسمى استنجاء.
أما الاستجمار: فهو أن يأخذ الحجارة، وهذا في الغالب يحصل للذي يكون في سفر أو في بر أو نحو ذلك، وكل منهما مشروع، ولا يجب عليه أن يستنجي بالماء، فلو أن إنساناً دخل إلى الحمام -ولو في المدن- والماء موجود، ولشدة البرد لم يرد أن يغسل عضوه فأخذ مناديله فاستجمر بها لأجزأه ذلك، وهذا بلا خلاف، بل كان بعض السلف لا يرى صب الماء ويقول: هو وضوء النساء، ولكنه قول مرجوح ومردود عليه؛ لأن أنساً حمل للنبي صلى الله عليه وسلم الإداوة، والماء أبلغ وأنظف وأنقى، وكانوا يستحبون أن يبتدئ بالحجارة حتى تنقي الموضع بحيث إذا صب الماء لا يتلطخ بالنجاسة، ثم بعد ذلك يتبعه الماء، وفيه حديث ضعيف في قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة:108]، والصحيح: أن ذلك الاستحباب هو من أصول الشرع العامة لا من دليل بعينه، أي: لم يرد دليل بعينه يدل على الجمع بين الحجارة والماء، ولكن من باب أصول الشريعة العامة وعلى سبيل المبالغة في التنظيف، وأما لو اقتصر على الماء أو اقتصر على الحجارة فيجزيه، ولا حرج عليه في ذلك، ومقصود الشرع هو إنقاء الموضع.