وفي البخاري أن مجاهداً سأل ابن عباس عن سجدة سورة (ص) فقرأ: {ومن ذريته داود} إلى قوله: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} قال ابن عباس: (فكان داود ممن أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها داود فسجدها النبي - صلى الله عليه وسلم -) [الفتح: 8 / 405] .

وفي أبي داود والنسائي بإسناد صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (سجدها داود توبة ونسجدها شكراً) .

* وقد اختلف أهل العلم فيها على قولين:

الأول، وهو المشهور عند الحنابلة والشافعية: أنه لا يشرع السجود فيها في الصلاة، أما خارج الصلاة فسجودها من باب سجود الشكر، أما سجودها في الصلاة فلا يشرع وتبطل الصلاة به عمداً، فإن كان غير متعمد ناسياً أو جاهلاً فإن الصلاة تصح به وتكون من باب السهو فيسجد.

فإن فعلها الإمام لم يجز للمأموم أن يتابعه – إن كان يرى أنها ليست سجدة – بل إما ينتظره أو يفارقه. والأولى كما تقدم في مسألة نظيرة لهذه أن ينتظر حتى يأتي.

2- الثاني، وهو مذهب المالكية والأحناف وهو قول في مذهب أحمد: أن السجود لسورة (ص) مشروع في الصلاة وخارجها وإن كانت ليست من عزائم السجود.

وبالنظر إلى الأدلة المتقدمة يظهر التجاذب بين هذين القولين، فقد قال ابن عباس: (هي ليست من عزائم السجود) أي ليست مما يتأكد سجوده، ولم ينف السجود فيها، وقوله: (من عزائم السجود) مطلقاً في الصلاة وخارجها ونفى أن تكون عزيمة ولم ينف أصل السجود فيها.

وأثره المتقدم من الاقتداء بالأنبياء في الاستدلال بالآية يدل على مشروعيته في الصلاة لأن الاقتداء بهم مشروع في الصلاة وفي غيرها، فالقول بأن المصلي لا يشرع له أن يسجدها مبناه: أنها سجدة شكر كما في قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ونسجدها شكر) ، والشكر بالاتفاق لا يشرع السجود له في الصلاة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015