فمن كان عارفاً بأدلة القبلة، فسأل آخر فأخبره باجتهاد فلا يجوز له قبول خبره، بل يجب أن يجتهد لأنه قادر على الاجتهاد، والاجتهاد الأول – أي اجتهاد المخبر – قابل للصواب والخطأ، فلا يجوز له إلا أن يجتهد فينظر وهذا باتفاق أهل العلم وأن المجتهد لا يجوز أن يقبل خبر المجتهد مثله.
بخلاف المقلد وهو غير العارف بأدلة القبلة – فإنه إذا لم يمكنه أن يتعلمها ودخل وقت الصلاة وتضايق الوقت فإنه يجوز له تقليد المجتهد.
أما إذا كان يمكنه أن يتعلم فيجب عليه أن يتعلم لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإذا دخل وقت الصلاة وأمكنه أن يتعلم ما به يعرف القبلة فيجب عليه ذلك ولا يَقبل الاجتهاد.
أما إذا كان غير بصير ونحوه ممن لا يمكنه أن يتعرف على القبلة ويصل إليها فإنه يجوز له أن يقلد غيره.
(أو وجد محاريب إسلامية)
فإنه يصلي إليها ولا يجتهد لأنها – في الحقيقة – تجري مجرى الخبر بل أولى منه فإن وضعها عند هؤلاء المسلمين واستمرارها بعد ذلك تقطع بثبوت صحة اتجاهها إلى القبلة وإن كانت منحرفة يسيراً فهذا لا يؤثر كما تقدم. ولا يجوز له الاجتهاد في هذه الحالة.
قال: (ويستدل عليها في السفر بالقطب والشمس والقمر ومنازلهما)
القطب: هو ما يكون في ناحية الشمال، فمن كان في مثل بلدنا هذه يتوجه إلى الجهة المغايرة له، فيكون في ظهره.
فهذه أساليب وطرق الاجتهاد، ومثل ذلك " البوصلة ".
إذن يبحث ويتحرى جهة القبلة سواء كان ذلك بالشمس والقمر ومنازلهما، أو بالرياح واتجاهاتها، أو كان ذلك بالنجوم، المقصود من ذلك أن يجتهد وينظر ويتجه إلى القبلة بعد ذلك.
قال: (وإن اجتهد مجتهدان فاختلفا جهة لم يتبع أحدهما الآخر)
لأن كلاً منهما مجتهد والواجب على المجتهد أن يعمل بما تبين له، وهو يعتقد صواب نفسه وخطأ غيره.