وأما النجاسة التي يخلقها الله طبيعة فإنها نجاسة لا يقال فيها إنها من عمل الشيطان فإنها نجاسة طبيعية أصلية حقيقة في هذا الشيء.
فدل على أن قوله: {من عمل الشيطان} أي نجاسة عملية معنوية، أي هذا من عمل الشيطان في الناس من النجاسة التي يزرعها الشيطان في الناس لما في الخمر من إلقاء العداوة والبغضاء وترك ذكر الله والصلاة ونحو ذلك مما هو من عمل الشيطان.
فعلى ذلك: الراجح أن الرجس هنا: هو الرجس المعنوي.
إذن: الخمر طاهرة وليست بنجسة، فإذا أصاب البدن منها شيء – ومن ذلك هذه الأطياب التي يتطيب بها فإنها من الخمر – فإنها ليست بنجسة على الراجح من قول أهل العلم.
والمسألة المرتبطة بالمسائل السابقة: هي أن الخمر إذا تحولت بنفسها فتحولت إلى خل بعد أن كانت خمراً فحينئذ يحكم بطاهرتها.
وقد قالوا بطهارتها: لأن الخل عين أخرى فليست خمراً وإنما خل، والخل طاهر.
لكنهم: قالوا: هي في الأصل أشياء طاهرة فحولت إلى خمر ثم رجعت إلى أصلها.
والجواب على ذلك: أن يقال: كذلك النجاسات فقد كانت في الأصل أطعمة ثم تحولت إلى قذر ثم تحولت بالاستحالة إلى مواد أخرى، فالدم مثلاً – إذا حكمنا بنجاسته – أصله طعام وشراب طاهر فتحول إلى شيء نجس وهو الدم ثم عاد بعد ذلك إلى عين أخرى طاهرة.
* واعلم أن الخمر إذا تخللت بنفسها من غير عمل فإن ذلك جائز بإجماع العلماء، فلا حرمة في ذلك، فبالإجماع هي طاهرة، فهذا هو فعل الله عز وجل فيها وهذا قول عمر كما في البيهقي (1) ولا يعلم في هذه المسألة خلافاً.