فلأهل القول الأول أن يقولوا: إن فعل ذلك لمصلحة شرعية راجحة وهي إظهار ترك هذا المحرم الذي قد اعتاد عليه العرب وألِفوه، وفي ذلك تشجيع للناس على تركه فلهذه المصلحة العظيمة جاز أن يراق وإن كان نجساً ولا شك أنه سيذهب بعد زمن يسير بالشمس أو الريح أو نحو ذلك، وبقاؤه على هذه الصورة فيه مصلحة عظيمة للتعاون على ترك هذا المنكر وإظهار حرمته.

وأما الوجه الثانية: وهو قولهم: أنه لو كان نجساً لأمر النبي صلى الله عليه وسلم من يأتي إلى المسجد أن يغسل ما يصيبه منه، وهو كثيراً ما يصيب المشاة إلى المسجد.

فهذا فيه نظر – على قول الجمهور – وهو أن يقولوا: إن الله قال {رجس من عمل الشيطان} فما دام أن الله قال ذلك فلا يحتاج إلى أن يبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

ومع ذلك: فإن الراجح القول الثاني وذلك لصحة الدليل الأول وهو الأصل فإن الأصل في الأشياء الإباحة.

وأما الاستدلال بالآية: {إنما الخمر والميسر ….} فإن الرجس في لغة العرب هو القذر ولا يلزم في ذلك أن يكون نجساً حسياً فلا يلزم من القذارة النجاسة الحسية فكم من شيء قذر ومع ذلك ليس بنجس فليس كل شيء مستقذر يستقذره الناس ويحكمون عليه بالقذارة ليس كل ذلك نجساً، فإذا ثبت هذا فإن الآية لا تدل إلا على أنه قذر.

والأظهر فيها أن المراد بالنجاسة هنا: المعنوية وليس الحسية وذلك لقرينتين اثنتين:

القرينة الأولى: قوله تعالى عاطفاً الثلاث على أن نجاستها نجاسة معنوية وهي قوله: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام} فهذه الثلاثة بالإجماع طاهرة العين نجسة المعنى، فكذلك الخمر فهذه القرينة تقوي أن الخمر نجاستها نجاسة معنوية.

القرينة الثانية: قوله: {رجس من عمل الشيطان} فحكم عليها بالنجاسة مرتبطاً ذلك بكونه من عمل الشيطان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015