وسيأتي الكلام على هذا الحديث في بابه – إن شاء الله -.

قالوا: إنما هذا النهي لنجاستها، لكون هذه النجاسات ثابتة فيها باقية، ومعلوم أن هذه النجاسات قد تحولت إلى دم ونحوه فإنها ليست كهيئتها السابقة بل تحولت في هذا الحيوان إلى مادة أخرى، ومع ذلك فإن الشارع نهى عنها.

لكن هذا الاستدلال ضعيف، إذ ليس في الحديث أن ذلك لنجاستها ولكن لقاعدة الشريعة في تحريم ما خبث طعمه كما حرم ما يأكل الجيف، وسيأتي الكلام عليه في باب الأطعمة.

والحنابلة – وهم القائلون هنا بأن الاستحالة لا تحول الشيء إلى شيء ظاهر، مستدلين كذلك بالجلالة – هم أنفسهم يقولون إنها متى حبست – أي الجلالة – ثلاثة أيام كما هو مذهب ابن عمر فمتى حبست فإنها تطهر.

ومعلوم أن هذا الدم قد نبت منه بعض اللحم، ومجرد الحبس لا يغير الحكم، فإنه متى نبت لحمها وحبست بعد ذلك أياماً يسيرة فإن هذا لا يغير من الحكم شيـ[ـئاً] .

إذن: يدل على حرمتها بجريان هذا الدم الذي ما زال قريباً بالنجاسة فمتى منعت من الطعام زمناً وتؤكد بعد هذا الزمن من أن هذا الخبث قد ذهب وإن كان قد تحول إلى مادة أخرى فإنها تحل.

- وذهب أبو حنيفة وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم: إلى أن الاستحالة تطهر بها الأعيان.

ولكن مع ذلك ينبغي ألا يقال إنها تطهر بالاستحالة؛ ذلك: لأن ليس مجرد الاستحالة هو سبب الطهارة، بل سببها إنها انتقلت إلى عين أخرى هذه العين عين طاهر.

واستدلوا: بأن الشارع وقد حكم بتنجيس هذه العين التي قد استحالت إلى مادة أخرى قد حكم بنجاستها لما فيها من الخبث، وأما وقد تحولت إلى مادة أخرى وهي مادة حكم الشارع بطهارتها كتراب أو ملح أو رماد أو نحو ذلك، فهذه مادة طيبة قد حكم الشارع بطهارتها ولم يبق اسم ولا معنى مما حكم الشارع بنجاستها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015