وحجتهم: ثبوت ذلك عن الصحابة، كما روى سعيد بن منصور بإسناد صحيح عن عطاء بن يسار قال: (كان رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضؤوا وضوء الصلاة) (1) وسيأتي الكلام على أن الوضوء مخفف للجنابة عند الكلام على استحباب الوضوء عند النوم.
فإذن: مذهب الحنابلة – ولو قلنا بتحريم المكث واللبث لقلنا به - لأن هذا فعل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلو احتلم رجل في المسجد ثم قام فتوضأ ثم عاد فنام فإنه قد فعل أمراً جائزاً، فيجوز له أن يمكث إذا توضأ.
ومثله – كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – النفساء والحائض إذا توقف عنهما الدم، فإنهما في حكم الجنب، فإذا توضآ جاز لهما المكث، فإذا قلنا أنه لا يجوز للجنب المكث في المسجد إلا إذا توضأ، فكذلك الحائض والنفساء إذا انقطع عنهما الدم.
وما ذكره شيخ الإسلام قد يقال فيه شيء من النظر وهو أن الحُيَّض في الغالب، فيهن من يتصف بهذا الوصف وهو الانقطاع عن الدم، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم عند أمرهن باعتزال المصلى، لا سيما النفساء – على القول بأن النفساء لا تطهر بانقطاع دمها – فهذا فيها أوضح.
فأمرهن باعتزال المصلى ولم يستثن النساء اللاتي انقطع عنهن، وهن في الغالب يكن كثيرات.
وقد يقال: لم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأن الغالب أن من انقطع دمها فإنها تغتسل وتحضر الصلاة فيذهب هذا التنظير.
فعلى ذلك قول شيخ الإسلام لا يحمل على انقطاعه أثناء مدة الحيض أو النفاس وإنما يحمل على انقطاعه الذي يجب منه الغسل، ومتى كان كذلك فلها أن تتوضأ وتلبث أو تمكث في المسجد.
إذن: ما ذكره شيخ الإسلام – وهو على المذهب – وجيه واضح.
فالحائض لا يجوز لها المكث في المسجد فإن انقطع دمها فيجوز لها المكث بعد الوضوء، وهو اختيار شيخ الإسلام وهو قياس واضح بيِّن.