وظاهر الأحاديث المتقدمة وجوب إجابتها، لكن يدل على عدم الوجوب ما روى مسلم: " أن فارسياً كان طيب المرق فصنع للنبي - صلى الله عليه وسلم - طعاماً ثم جاء يدعوه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وهذه) أي عائشة فقال: " لا " فقال للنبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا) ثم جاءه يدعوه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وهذه) قال: " لا " فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا) ثم جاءه يدعوه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: (وهذه) فقال: " نعم " فقاما يتدافعان إلى منزله".، ولا يترك النبي - صلى الله عليه وسلم - الواجب لمثل هذا العذر، فهذا عذر لا يقوى على ترك الواجب، وهذا هو مذهب جمهور أهل العلم وأن إجابة غير وليمة العرس ليس بواجب بل مستحب.
قال: [ولا يجب الأكل]
إذا حضر الوليمة فإنه لا يجب عليه الأكل، وذلك لما ثبت في مسلم من حديث جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إذا دعي أحدكم إلى طعام فليجب ثم إن شاء فليطعم وإن شاء فليترك) ، فلا يجب الأكل إنما يستحب لما تقدم في حديث أبي سعيد عند البيهقي فقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - الرجل بالفطر.
قال: [وإباحته متوقفة على صريح إذن أو قرينة]
فلا يحل له أن يطعم إلا بإذن لفطر، أو إذن عرفي فالإذن اللفظي كأن يقول كلوا، والإذن العرفي بأن يدعى إلى الطعام سابقاً ثم تقدم بين يديه، وإلا فلا يحل له، وذلك لأنه مال غيره فلا يحل إلا بإذنه، ولا يحل مال امرئٍ مسلم إلا بطيب نفس منه، ولا يملكه بذلك فلوا أنه إذا وضع له الطعام تصدق به أو أخذه فلا يحل له ذلك، وذلك لأنه إنما أباحه له ليطعمه ولم يُمّلِكهُ إياه، فعليه يهلك في ملكية الداعي أي يفنى الطعام في ملكية الداعي فليس له أن يتصدق به إلا إذا أذن له بذلك صاحب الدعوة.
قال: [وإن علم أن ثم منكراً يقدر على تغييره حضر وغيّره وإلا أبى]