قوله (إن أطعمه لمالكه) كأن يغتصب منه شاة فيطعمه إياها فحينئذ لا يبرأ، وذلك لأن المالك لا يتصرف به كما شاء، فهو لا يتصرف به باختياره، بل يتصرف على الوجه الذي دفع إليه وهو الطعم، ومثل ذلك إذا وهبه إياه فلا يبرأ بذلك، ولما فيه من المنة، وربما كافأه على هذه الهدية وهي في الحقيقة غصب، فلم يبرأ بذلك، لكن إن خشي ضررا بإرجاعه إليه ورده إليه ردا صريحا كأن يعاقب بما لا يستحق شرعا، فله حينئذ أن يهديه إياه وأن يهبه إياه دفعا للضرر كما قرر ذلك ابن القيم.
وقوله (أو أودعه إياه) إذا أودعه إياه فحصل له تلف فإنه لا يبرأ - أي الغاصب - كأن يقول: خذ هذه المائة ألف - وقد اغتصبها منه - يقول: خذها وديعة عندك، فتلفت فلا يبرأ الغاصب من ذلك، لأنه لم يعطه إياها على أنها ملكه، والواجب أن يرد الشيء إليه على أنه ملك له، ولأن الوديعة لا ضمان فيها، فإن المودع لا يضمن، فحينئذ لا يندفع ضمان الغاصب بشيء، بخلاف ما ذكره المؤلف من قوله بعد ذلك (ويبرأ بإعارته) فإن المذهب على أن العارية مضمونة، فحينئذ لا فائدة من إبقائنا على تضمين الغاصب مع أننا نضمن المستعير، فالمستعير ضامن لهذه السلعة المغتصبة منه لأنها عارية، والعارية مضمونة، فإذا قلنا للغاصب: أنت ضامن، وقلنا للمستعير وهو المغصوب منه أنت ضامن فلا فائدة، لأن الغاصب إذا ضمناه رجع إلى المستعير وهو المالك.
وهذا على التسليم به، فإنه مبني على المذهب المرجوح الذي تقدم وهو أن العارية مضمونة، والصحيح عدم ضمانها، فإن شرط المعير ضمان العارية، فلا يتوجه أي فلا يتوجه أن تبرأ ذمة الغاصب بذلك، وذلك لأنه لم يرجعها إليه على أنها ملك له، فما زالت يد الغاصب عليها، وهو قد أخذها على أنها عارية فواجب عليه ضمانها بالشرط المتقدم، لكن هنا نقول: في الشرط هنا شيء من النظر، وذلك لأنه ضمن على ماله، وشورط على ماله، وهذا شرط بغير حق.