القول الثاني: أنهم يضمنون، وذلك لأنه لم يمكنهم من التصرف فيها، فهو لم يسلطهم عليها، وإنما جعلها أمانة أو عارية وليس في هذا تخويل لهم في التصرف فيها، والذي يظهر هو القول الأول وذلك لأنه بهذا قد سلطهم على ماله ومكنهم منه، وهذا في غير السفيه، فالسفيه مكلف، والحجر إنما يكون في التصرفات المالية، والأمر هنا ليس كذلك، فقد وضعت عنده عارية وهذه أمانة فلا يحل له أن يتصرف فيها، فإذا تصرف فقد اعتدى، فالذي يظهر أن السفيه يضمن مطلقا، حتى لو علم الآخر أنه سفيه محجور عليه، وذلك لأنه لم ينه عن مثل هذا، وإنما نهي أن يتصرف في ماله، وهذا ليس من التصرف في المال، والآخر وهو المودع أو المعير لم ينه عن إيداع السفيه ولا عاريته، إنما نهي عن التعامل معه بالبيع والشراء ونحو ذلك.
قوله [وإن تم لصغير خمس عشرة سنة...... زال حجرهم]
إذا كمل الصغير خمس عشرة سنة فيكون حينئذ بالغا، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر قال: (عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني - وفي رواية (ولم يرني بلغت) وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني) [خ 2664، م 1868، حب 11 / 30، برقم 4728، بلفظ (عرضت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنا بن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت ... ) ، قط 4 / 115، بنفس لفظ ابن حبان] فهذا يدل على أن من تم له خمس عشرة سنة فهو بالغ، وهذا هو فهم الراوي، والراوي أعلم بما روى، وهذا هو المشهور من مذهب أحمد والشافعي.
وقال مالك: ليس للتكليف سن محددة، بل يعرف ذلك بالاحتلام ونحوه وأما السن فلا، وقال أصحابه إذا بلغ سن سبع عشرة سنة، وقال أبو حنيفة كذلك في الأنثى، وفي الذكر إذا بلغ ثماني عشرة سنة أو تسع عشرة سنة، وهذه الأقوال لا دليل عليها، والراجح هو القول الأول للحديث المتقدم.