لا يجوز الصلح على ترك الشهادة، سواء كانت شهادة حق أم شهادة باطل، مثال شهادة الحق: قال به أصالحك على ألا تشهد علي، وهي شهادة حق فيها إثبات حق مالي عليه، أو فيها إثبات قصاص أو نحو ذلك، فهذا محرم، لأنه كتمان للشهادة، وقد حرم الله كتمانها، وإذا كانت الشهادة بالباطل فلا يجوز الصلح عليها، لأنه يكون قد أكل مال أخيه بالباطل، مثاله: إذا قال: أصالحك على ألا تشهد علي، وكان هذا الشاهد يريد أن يشهد عليه شهادة زور، فقال: لا تشهد علي وأعطيك كذا وكذا صلحا، فهذا لا يجوز، وذلك لأن الشاهد يأكل المال بالباطل، ولا يظهر هنا أن هذا محرم، مع حرمة ذلك على الشاهد، وذلك لأن فيه دفعا للضرر عن نفسه.
قوله [وتسقط الشفعة والحد]
بيان هذا، إذا قال له: أسقط حق الشفعة ولك كذا وكذا، أو قال الشريك أصالحك على ألا شفعة لي وأعطني كذا وكذا من المال، فهذا الصلح محرم كما تقدم، وهل تبقى الشفعة، قالوا: لا، بل تسقط عنه الشفعة، فليس له بعد هذا الصلح المحرم حق في الشفعة، والعوض الذي أخذه يرده على صاحبه، أما سقوط الشفعة فلأنه رضي بإسقاط الشفعة بهذا المال الذي عرض عليه، وأما رد العوض فلأنه صلح باطل، والقول الثاني في المسألة في مذهب الحنابلة أن الشفعة لا تسقط، وهذا القول هو الراجح، وذلك لأنه إنما رضي بإسقاط الشفعة مقابل هذا المال، فإذا ثبت أنه لا حق له في هذا المال، على القول بذلك فحينئذ ينتفي رضاه، فهو إنما رضي بشرط العوض، وحيث لا عوض فلا رضى، وحيث لا رضى فالشفعة لا تسقط، وعلى القول بصحة الصلح في الشفعة وهو الراجح كما تقدم فلا إشكال في هذه المسألة.