أي إن لم يكن الصلح مشروطا، فإن كان الصلح شرطا فلا، فإذا قال: لا أعطيك حقك إلا أن تضع عني بعضه أو لا أتنازل عن العين التي هي لك حتى تهبني بعضها أو حتى تأخذ عوضها، فهذا لا يجوز، وذلك لأن الصلح أحل حراما، وذلك لأن هذا الدين أو العين ملك له، وكذلك ما يراد دفعه العوض عنه كل هذا ملك له فإذا أجبر على شيء من ذلك فقد أجبر على أخذ شيء من حقه بغير رضا منه، وكان من أكل أموال الناس بالباطل.
* وهل يجوز - إن لم يكن عن شرط - أن يكون بلفظ الصلح؟
مثاله: أقر زيد لعمرو بأن في ذمته له مائة ألف، فقال زيد: قد صالحتك على عشرة آلاف، أو قال: صالحني على عشرة آلاف من غير شرط فصالحه، فهل يجوز ذلك؟
1- قال الحنابلة: لا يجوز ذلك، وذلك لأن لفظ الصلح هنا يقتضي المعاوضة، فكأنه قال: لا أعطيك حقك حتى تصالحني على كذا، وإن لم يكن هذا حقيقة الأمر لكن اللفظ يقتضيه.
2- وقال الشافعية وهو رواية عن الإمام أحمد بل يصح ذلك، قالوا: لأن لفظ الصلح لا يقتضي المعاوضة في الأصل، وإنما يقتضي قطع المنازعة، وهذا هو اختيار طائفة من أصحاب الإمام أحمد وهذا هو الراجح، لأن العبرة بالحقائق لا بالألفاظ، فحقيقة الأمر أنه لا شرط ولا معاوضة، فلا يؤثر هذا اللفظ.
قوله [وممن لا يصح تبرعه]
أي بشرط أن يكون ممن يصح تبرعه، فإن كان ممن لا يصح تبرعه فلا، ومعنى العبارة: إن لم يكن شرطاه وإن لم يكن ممن لا يصح تبرعه، فإن كان ممن يصح تبرعه فهو جائز، فإذا كان الصلح من ولي أمر اليتيم فلا يصح، لأنه ولي لليتيم ولا يصح تبرعه، فهذا المال ليس له بل هو لليتيم، ولا مصلحة فيه لليتيم، فإنه إسقاط حق من باب الإحسان إلى الخلق فهو هدية أو هبة أو صدقه، وهذا ليس لولي اليتيم، لكن إن كان الحق لا يقدر عليه، ويخشى إن لم يصالح أن ينكر الخصم، فإن له أن يتبرع بشيء من مال اليتيم حفاظا على مصلحته.