الجواب: ذهب بعض الشافعية إلى استثناء التسعير حينئذ، وأنه جائز، فيجوز للحاكم أن يتدخل فيما إذا غلت الأسعار غلاء فاحشا بحيث يتضرر بذلك عامة الناس، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (لا ضرر ولا ضرار) [جه 2340، 2341] ولأن في ذلك مصلحة عامة، بل دفع لمفسدة عامة، وإن ترتب على ذلك فوات مصلحة خاصة، فإن التسعير فيه فوات مصلحة خاصة، وأما الغلاء الفاحش فإن فيه مفسدة عامة، ودفع المفسدة العامة أولى من جلب المصلحة الخاصة، وكذلك تحمل المفسدة الخاصة أولى من تحمل المفسدة العامة، وهذا القول هو الصحيح.
قال ابن القيم: وجماع الأمر أن مصلحة الناس إذا لم تتم إلا بالتسعير سعر لهم تعسير العدل.
المسألة الرابعة:
مسألة الاحتكار، والاحتكار: هو أن يدخر السلعة حتى يغلو ثمنها فيبيعها، وهو محرم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - كما ثبت في مسلم من حديث معمر بن عبد الله: (لا يحتكر إلا خاطيء) فقيل لسعيد فإنك تحتكر، قال سعيد: فإن معمرا الذي كان يحدث هذا الحديث كان يحتكر. [م 1650]
* قال الحنابلة ويحرم الاحتكار بثلاثة شروط:
1- الشرط الأول: أن يكون المحتكر قوتا، فإن كان المحتكر غير قوت فيجوز ذلك، قالوا:لأن سعيد بن المسيب وهو الراوي عن معمر كان يحتكر النوى - أي نوى التمر - والخبط - وهو علف الدواب - والبذر - أي بذور النبات -، وفي المسند أن سعيد بن المسيب كان يحتكر الزيت، قالوا: ولا يعقل أن هذا الإمام يخالف روايته إلا وأن هذا خارج عن روايته، وقد ثبت أن معمر بن عبد الله كان يحتكر، قالوا:فدل هذا على أن المحتكر الممنوع احتكاره إنما هو القوت، وذهب أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وهو اختيار الشوكاني إلى ذلك محرم، وهذا هو الراجح لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -: (لا يحتكر إلا خاطيء) ، وأما الجواب عن فعل معمر بن عبد الله وسعيد بن المسيب فيتضح في الشرط الثاني الذي اشترطه الحنابلة.