وكره الحنابلة الشراء من المكره، وهذه المسألة تسمى بيع المضطر، مثال ذلك: رجل أكرهه السلطان على ضريبة من المال، فباع شيئا من ماله لبعض ليسدد الضريبة، فالشراء من هذا المكره مكروه، وقال شيخ الإسلام يجوز بلا كراهة، قال: لأن امتناع الناس من شراء ما يبيعه أشد ضررا عليه، لأنه متوعد بما يضره في نفسه أو أهله أو ولده إلا إن دفع ذلك المال الذي أكره عليه، فإذا امتنع الناس من الشراء منه كان في ذلك ضررا عليه، ولا دليل على الكراهة، بل الظاهر هو خلاف ذلك، وهو عدم الكراهية، فالصحيح جواز ذلك، إلا أن يكون في امتناعهم من الشراء زوال للإكراه عنه فيمتنعوا ليزول الإكراه.
* واعلم أن من المسائل التي تترتب على هذا الشرط بيع التقية أو بيع التلجئة، وهي أن يبدي المتعاقدان بيعا وهما غير مريدين له في الحقيقة، لكن من أجل التقية يريدان البيع، كأن يخشى ظالما فيظهر البيع على أحد من الناس وهما في الباطن غير مريدين للبيع، فهنا البيع باطل ولا يصح على ما بيناه، لعدم الرضا منهما، وقال الشافعية يصح البيع، والصحيح هو مذهب الحنابلة لما سبق من الأدلة، وهناك مسألة أخرى شبيهة بها وهي فيما إذا أظهرا ثمنا في العقد وهما يبطنان بينهما ثمنا آخر في السر، فإن العمدة على ما أبطناه لأن الرضا مرتبط به، فهما لم يتراضيا إلا على هذا الثمن الذي اتفقا عليه في الباطن، ومثل ذلك في أصح الوجهين في مذهب الحنابلة وهو المشهور في المذهب خلافا لقول أبي الخطاب بيع الهازل غير الجاد، فلا يقع بيع الهازل، بل هو باطل، وذلك لانتفاء الرضا، فإن الهازل غير راض بالبيع لكن بشرط أن يكون هناك دليل أو قرينة تدل على الهزل في البيع، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي وغيره بإسناد صحيح: (ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة) [ت 1184، د 2194، جه 2039] فدل على أن الجد جد والهزل هزل في سواهن.