فيستحب أن يشتغل بالأعمال الصالحة – باتفاق العلماء – من ذكر ودعاء وقراءة للقرآن وغير ذلك من الأعمال الصالحة التي يتقرب بها إلى الله عز وجل، وهذا هو مقصود الاعتكاف فليس مقصود الاعتكاف أن يحبس الرجل نفسه في موضع وإنما المقصود من ذلك هو حبس النفس في هذا الموضع للإقبال على الله بالعبادة لا سيما قراءة القرآن فهي مستحبة في هذا الشهر، وهي كذلك من أفضل ما يتقرب به العبد، وإن كان اعتكافه في غير شهر رمضان، ويشتغل بذكر ودعاء فإن اشتغل بقراءة علم وحفظه ونحو ذلك فهو حسن أيضاً لكن ينبغي أن يكون له النصيب الوافر والحظ الكبير من الأعمال التي يتقرب بها لله من العبادات اللازمة التي ينتفع بها.

قال: (واجتناب ما لا يعنيه)

لأنه يشغله عن المقصود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه) ولا شك أنه يصد التقرب إلى الله بالعمل الصالح.

تقدم أنه مما لابد له منه الخروج لأداء صلاة الجمعة، فإذا حضرت الجمعة وهو في مسجد آخر من المساجد التي لا تقام فيها جمعة، فهل له أن يتعجل إليها أم لا؟

نص الإمام أحمد على أن له أن يتعجل إليها.

وقال بعض الحنابلة بل الأولى له أن يتعجل لأن الخروج يكون بقدر الحاجة فحينئذٍ يخرج قبيل أدائها.

وهذا الدليل من حيث الأصل له حظ من النظر ظاهر، لكن لما كان الموضع الذي يريد الذهاب إليه موضع في الحكم كالمسجد الذي هو فيه فإنه حينئذٍ لا معنى من كون ذلك خلاف الأولى، فهو إنما يذهب من مسجد إلى مسجد آخر.

ومن هنا أجاز الحنابلة وغيرهم له أن ينتقل إليه، فإذا ذهب من مسجده إلى المسجد الجامع فأحب أن يقيم فيه فلا بأس.

قالوا:لأن المسجد لا يتعين بتعينه فكذلك هنا ولأن المقصود يحصل منه، بل يحصل فيه ما هو أعظم مما لو رجع واحتاج إلى الخروج مرة أخرى، إلا أن تكون مصلحة في مسجده الأول – فإنه حينئذٍ – يعود إليه.

أما إن أتمه في المسجد الجامع فإنه لا بأس بذلك ولا حرج.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015