وإعطاء المؤلفة قلوبهم توقف في عهد عمر وعثمان وعلي لقوة الإسلام وظهوره. واحتيج إليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وتوقفه في عهد الخلفاء الثلاثة لا يعني تركه، وإنما لزوال الحاجة الداعية إليه، فإذا تكررت الحاجة الداعية فإن هذا الحكم يثبت فهؤلاء أصناف أربعة وهؤلاء تدفع إليهم الزكاة تمليكاً ولذا ثبتت لألفاظهم " لام " التمليك فقال تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم …} قال: {وفي الرقاب} فالأصناف الأربعة الأخيرة لا تمتلكها فمتى زالت الحاجة الداعية إليها فإنها تعاد وترجع، أما هذه الأصناف الأربعة فإنهم يستحقونها وإن زال السبب.
فلو أن رجلاً فقيراً فدفعت إليه الزكاة ثم اغتنى بعد زمن يسير ولم يصبح محتاجاً إلى الزكاة، فإنه قد امتلكها بدفعها إليه قبل غناه، وكذلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها والمساكين يدفعها إليه قبل غناه وكذلك المؤلفة قلوبهم والعاملون عليها والمساكين.
مسألة:
الفقير هل يعطى من الزكاة - هل يعطى - على حسب عرف الناس فيكون وسطاً بين الناس أم يعطى دون ذلك فيسكن السكن الرديء ويأكل الأكل الرديء ويشرب الشراب الرديء وهكذا؟
الظاهر أنه يعطى ما يكون به وسطاً؛ لأن النفقة في الأصل تكون بالمعروف فالنفقات الشرعية تكون بالمعروف كما في غير ما دليل يدل على ذلك، فما يكون في وسط الناس هو المعروف.
ولأن إعطائه الشيء الرديء قد تفوت به بعض مقاصد الشريعة من لجوئه إلى سرقة أو زنا أو نحو ذلك من الأشياء المحرمة التي في الحقيقة الزكاة تدفع مثل هذه الأشياء كما أن حقيقة المواساة تثبت بهذا.
* تقدم أن الفقير يعطى زكاة سنة؛ لأنها لا تتكرر، فمثلاً يعطى رجل مئة ألف تكفيه سنة، أما إذا كانت تفيض على السنة فلا يجوز، وذلك لأن الكفاية محسوبة بالسنة فهو الآن فقير فإذا أعطيناه ما يكفيه أصبح غنياً، فإذا زدنا فكما لو أعطيناه وهو غني.