وقد ذكر الحافظ: أن هذا الحديث ورد عن عشرة من أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس في حديث واحد منهم ذكر هذه الجملة.
ـ وأن هذه الجملة لم يذكرها أحد من الرواة عن أبي هريرة إلا نعيم بن عبد الله المجمر، فثبت لنا أن هذا موقوف على أبي هريرة، فليس مرفوعاً.
فإذا ثبت هذا، فإنه قد خالف السنة، وقول الصحابي إذا خالفته السنة فليس بحجة، وقد ثبت في مسند أحمد وسنن أبي داود والنسائي ـ وهذا لفظ أبي داود ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ توضأ ثلاثاً ثلاثاً ثم قال: (هكذا الوضوء فمن زاد أو نقص ـ وقوله نقص ـ في أبي داود دون غيره ـ فقد أساء وظلم) .
وتكلم الإمام مسلم في لفظة: (أو نقص) ، وتأولها البيهقي بأن المراد أن ينقص عن القيام بغسل شيء من الأعضاء، وذلك لأن غسل الأعضاء مرة مرة أو مرتين مرتين ليس فيه حرج ولا بأس.
ـ وهذا القول ـ أي عدم الاستحباب ـ هو الراجح، ولم يثبت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يزيد على المرفوع.
ـ أما ما ثبت في مسلم أن أبا هريرة كان يغسل يديه حتى يشرع في العضد، ويغسل رجليه حتى يشرع في الساق ويقول: (هكذا رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتوضأ) .
فالجواب:
أن هذا نحن نقول به، ولا ننكر ذلك، وذلك بأن يغسل يديه حتى يشرع في العضد أن بداية العضد؛ لأنه يكون قد تيقن من غسل المرفقين.
ومثل ذلك عندما يغسل رجليه فيدير الماء على الكعبين فإنه يكون قد شرع في الساق، وَغُسل الكعبين واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
ـ وقوله صلى الله عليه وسلم، في حديث لقيط بن صبرة: (وخلل بين الأصابع) .
فيه أن المشروع أن يخلل بين أصابعه.
والتخليل: إدخال الشيء في خلل شيء آخر.
قال تعالى: (لأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة) (1) أي لأسرعوا فيما بينكم في إبقاء الفتنة وبثها فيما بينكم.
فهذا فيه مشروعية تخليل الأصابع، ولفظه (الأصابع) عام في أصابع اليدين والرجلين.