إذاً: إذا بدا صلاح الثمر واشتد الحب ولم يوضع بعد في البيدر، فلم يحصد الزرع، ولم يجد الثمر، فإن الزكاة لم تستقر بعد في ذمته، وإن كان الوجوب قد تعلق ببدو الصلاح وباشتداد الحب، لكن الزكاة لم تستقر بعد في ذمة صاحب المال.
فلو حصل له تلف بغير تعد منه ولا تفريط، فإن الزكاة تسقط عنه؛ لأنه في حكم ما لم يثبت عليه اليد، فما دام الرطب على رؤوس النخل والحب في سنبله، فإنه بعد لم يتم ثبوت يد صاحبه عليه، فإذا حصل فيه تلف، كأن يحترق الزرع أو حصل للنخيل جائحة، فإن الزكاة تسقط عنه؛ لأنها لم تستقر بعد في ذمته.
أما إذا وضعه في البيدر، فقد استقرت الزكاة في ذمته، فإذا تلف، ولو كان هذا التلف بغير تعد منه، فإن الزكاة تبقى وتتعلق في ذمته.
وهذا كله على القول بمسألتين:
المسألة الأولى: وقد تقدم أن الراجح خلافها، وهي أن الزكاة تجب قبل التمكن من أدائها.
والصحيح أن الزكاة لا تجب إلا بعد التمكن من أدائها، ومتى يمكنه أن يؤدي التمر والزبيب والحب؟ إنما يمكنه ذلك إذا صُفي الحب تماماً وزال ما فيه من قشور وجهز لبيعه أو للانتفاع به، فحينئذ يكون قد تمكن من أداء زكاته، وهذا هو وقت إخراجه عند الحنابلة وغيرهم، فإن وقت الإخراج هو تصفية الحب وجفاف الثمر، فإذا جف الثمر فأصبح الرطب تمراً وأصبح العنب زبيباً، فهذا هو وقت الإخراج، وهذا الوقت هو وقت التمكن، فإن صاحب المال إنما يتمكن من أداء زكاة ماله إذا وجد وقت الإخراج.
فإذا وجد وقت الإخراج ولم يخرج فحينئذ تتعلق الزكاة بذمته، فإذا صفى الحب وجفف الثمر ثم فرط فحصل تلف للزرع، فحينئذ تجب عليه الزكاة؛ لأن الزكاة قد استقرت في ذمته حينئذ لتمكنه من أدائها.