- وعن الإمام أحمد، وهو مذهب المالكية وهو القول الثاني للشافعي، قالوا: إن لم يمكنه الأداء، فإن الزكاة لا تجب عليه؛ قالوا: لأن الزكاة عبادة، ومن شروط إيجاب العبادات إمكان أدائها، وقد قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم} (?) ، ولأن الزكاة إنما وجبت من باب المواساة، وهذا معسر يحتاج إلى المواساة، فلم تجب عليه. وليست كالديون على الآدمي، لأن الديون التي على الآدميين فيها محض حق الآدمي، وليست من باب المواساة، بل هي حقوق الآدميين، أما في الزكاة فإن حق الآدمي مشوب بحق الله - عز وجل -، وهي إنما وجبت مواساة من الغني للفقير، فإذا كان هذا محتاجاً إليها أو معسراً، فهو أولى بالمواساة من الفقير. فالراجح القول الثاني، وأن الزكاة لا تجب إلا مع إمكان أدائها.
أما أهل القول الأول، فإنهم استدلوا بالأدلة الدالة على وجوب الزكاة بمضي الحول، قالوا: وقد مضى الحول، فتعلقت الزكاة في ذمته.
والجواب: ما تقدم من أنها وإن مضى الحول، لكن لا نقول بإيجابها؛ لأن العبادات لا تجب إلا مع إمكان الأداء، ولأنها من باب المواساة، وما كان كذلك، فإنه يسقط عن صاحب المال، لأنه هو أحق بالمواساة من الفقير، لأنه صاحب المال.
قال: [ولا بقاء المال]
فبقاء المال ليس شرطاً في إيجاب الزكاة.
صورة هذا: رجل ملك نصاباً، ومضى عليه الحول، وقبل أن يزكيه تلف المال، بتفريط منه أو غير تفريط، فإن الزكاة واجبة عليه، وكما تقدم الإخراج لا يجب حتى يتمكن، لكن المقصود أن الزكاة تتعلق في ذمته. هذا هو المشهور عند الحنابلة؛ قياساً على دين الآدمي، قالوا: من كان له على آدمي دين، فإنه يجب عليه أن يعطيه إياه وإن كان معسراً، لكن يتربص به حتى يكون موسراً، لكن لا يسقط عنه الدين لإعساره، فكذلك الزكاة.