وفيما ذكروه نظر، ولذا أجاب أهل القول الأول بأنه إنما جاز له أن يخرجها من غير عين ماله رخصة له، فهو من باب الرخصة.
ومما ينبني من الخلاف على هذين القولين:
لو أن رجلاً عنده أربعون شاةً، مضى عليها حولان، فهل يجب عليه شاة واحدة أو يجب عليه شاتان؟
إن قلنا: إن الزكاة تجب في عين المال، فلا تجب عليه إلا شاة واحدة. وإن قلنا: إنها تجب في الذمة، فيجب عليه شاتان.
بيان هذا: عنده شاتان (?) مضى عليها حولان، إذا قلنا بقول الحنابلة هنا، وأنها متعلقة بعين المال، فلا يجب عليه أن يزكي إلا شاة واحدة؛ لأنا إذا أخرجنا عن الحول الأول شاة، فما بقي عنده إلا تسع وثلاثون شاة، والزكاة متعلقة بعين المال، فلتعلقها بعين المال، فإذا أوجبناها عليه في الحول الأول، فإن الزكاة متعلقة بهذه، فلا نحسب في السنة الأخرى، بل يبقى عنده تسع وثلاثون شاة، فلا يجب عليه إلا أن يزكي الحول الأول، وأما الحول الثاني فإن النصاب يكون قد نقص، أما إذا قلنا: إنها متعلقة بالذمة، فهو في الحول الأول قد ملك أربعين شاة، فعليه زكاة شاة، وفي الحول الثاني عنده أربعون شاة، فعليه شاة أخرى، هذا إذا لم نقل إن الدين الذي لله عز وجل الذي ينقص النصاب تجب فيه الزكاة، وقد تقدم الخلاف في هذا.
المقصود من هذا: أن الأدلة الشرعية المتقدمة دلت على أن الزكاة متعلقة في عين المال لا في الذمة فقط، بمعنى أنه قد وجب لله - عز وجل - في هذه الأربعين شاة أو في هذه العشرين ديناراً وجب لله فيها هذا الجزء المحدد من الزكاة، وإن كان لها تعلق في الذمة من حيث أن صاحبها لا يجب عليه أن يدفع هذا الجزء، بل له أن يخرجه من جهة أخرى رخصة له.
قال: [ولا يعتبر في وجوبها إمكان الأداء]
أي لا يعتبر في وجوب الزكاة إمكان الأداء، فالضمير في " وجوبها " يعود على الزكاة.