واستدلوا بالحديث المتقدم (لا صدقة إلا عن ظهر غنى) ، وأن هذا من أهل الزكاة، فليس من المناسب أن يعطى من الزكاة لديونه، وتؤخذ منه الزكاة. فالزكاة إنما تؤخذ من الأغنياء الذين ليسوا بحاجة إلى الزكاة، وهذا بحاجة إلى الزكاة. وهذا القول فيما يظهر لي أقوى؛ لقوة ما عللوا به هذا القول واستدلوا به، من أن حاجة صاحب المال مقدمة على حاجة غيره، ويبدأ المرء بنفسه قبل غيره، ولا صدقة إلا عن ظهر غنى، وكيف تدفع له الزكاة من جهة وتؤخذ منه من جهة أخرى! .
أما ما ذكره أهل القول الأول، فإن عدم استفصال السعاة بناء على الأصل، فإن الأصل هو براءة الذمة من الديون، ولأن من عليه دين فإنه يخبر بذلك ويقول: إن عليّ دين، فهم لم يكونوا يستفصلون لهذا، بناء على الأصل، ولأن من كان عليه دين فإنه يخبر عن نفسه.
وأما كون الفقراء تتشوف نفوسهم إلى المال، فحاجة صاحب المال أولى من حاجة غيره، فإن صاحب المال متشوفة نفسه لقضاء دينه وإبراء ذمته، وهو محتاج إلى هذا المال الذي يؤخذ منه، فكان أولى من غيره.
فالأظهر ما ذهب إليه الحنابلة في هذه المسألة، وهو أن زكاة المال لا تجب على من عليه دين ينقص النصاب، سواء كان المال باطنا أو ظاهراً.
أما المسألة الأولى في الأموال الباطنة، فهو مذهب جمهور العلماء.
وأما ما يكون في الأموال الظاهرة، فهو مذهب طائفة من التابعين.
وقول المؤلف [ولو كان المال ظاهرا] ، قوله " ولو " إشارة إلى خلاف بعض الحنابلة، وهو أحد الوجهين في المذهب: على أن الزكاة في الأموال الظاهرة واجبة وإن كان الدين ينقص النصاب، وهو رواية عن الإمام أحمد، وهو مذهب جمهور العلماء كما تقدم.
قال: [وكفارة كدين]
فمن عليه كفارات كمن عليه ديون.