وفيه – أيضاً – النهي عن قضاء الحاجة في المقابر، أما على القبر فهو محرم – في المشهور من المذهب –، وأما بين القبور فقد كرهه الإمام أحمد كراهية شديدة، ونص بعض أصحابه على أنه محرم – وهذا هو الظاهر؛ لما فيه من أذية الميت والميت له حرمته. ولا شك أن فعل ذلك على القبر محرم قطعاً، وإن كان فعله بين القبور أهون من ذلك.

ويكره له في المشهور من المذهب أن يمشي بين القبور في نعليه لما روى الخمسة إلا الترمذي بإسناد صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يمشي بين القبور بنعليه فقال: (يا صاحب السبتيتين ويحك ألق سبتيتيك) .

والحدث ظاهره التحريم فإن النبي صلى الله عليه وسلم زجر عن ذلك وأمر بالقاء السبتيتين، وظاهر ذلك تحريم هذا، وإلى هذا نحا ابن حزم والشوكاني وأن المشي بين القبور بالنعال محرم، وهو قول قوي.

لكن يستثنى من ذلك إن احتاج إلى المشي بالنعال كأن تكون المقبرة ذات شوك أو أن تكون الأرض باردة أو شديدة الحرارة، أو أن يكون به مرض يتأذى من المشي حافياً فحينئذ لا حرج عليه بأن يمشي حافياً.

وأما ما أجاب به الخطابي من أن ذلك في النعلين السبتيتين فحسب لأنهما من لباس الخيلاء، فهذا ضعيف؛ فليستا من لباس الخيلاء، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم: (لبس النعال السبتية) .

فعلى ذلك: ينهى عن المشي بين القبور بالنعال إلا أن يحتاج إلى ذلك.

كما أنه ينهى عن الحديث بأمر الدنيا وعن الضحك ونحو ذلك؛ لأن الموضع موضع تذكر واتعاظ فينافي ذلك مقصود الشارع مما يكون في زيارة المقابر واتباع الجنائز من الاتعاظ والتذكر ونحو ذلك، والاشتغال بالضحك والحديث بالدنيا ينافي هذا، فكان ذلك منهيا عنه تحصيلاً لمقصد الشرع من اتباع الجنازة وزيارة المقابر.

قال: (والوطء عليه والاتكاء إليه)

وهذا لما تقدم فإن هذه من جنس ما وردت به الأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015