ودليل هذه المسألة: ما رواه أبو داود والحديث حسن بشواهده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تتبع الجنازة بصوت ولا نار) .
ورفع الأصوات عند الجنائز من هدي اليهود وقد أمرنا بمخالفتهم. وروى البيهقي عن قيس بن عباد قال: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يكرهون رفع الصوت عند الجنائز وعند القتال وعند الذكر) (1) .
المسألة الرابعة: أن اتباع الجنازة ثبت له فضل عظيم، فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان قيل: وما القيراطان يا رسول الله؟ قال: مثل الجبلين العظيمين) (2) .
وهل يثبت الثواب المذكور بمجرد الصلاة أم حتى يتبعها من أهلها؟
ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من خرج مع الجنازة من بيتها) (3) وتقدم أثر أبي الدرداء وقال: (من تمام أجر الجنازة إلى أن قال: وأن يتبعها من أهلها) (4) .
استظهر ابن حجر أن الاتباع من بيتها وإلى المسجد وسيلة إلى الصلاة عليه متقصد منه الصلاة عليها، فحينئذ يثبت الأجر ولو لم يتبعها؛ لأن المقصود من ذلك الصلاة.
وفي ذلك نظر، فإن الاتباع مفضل بذاته بالأجر، فإنه له ثواب مختص، ولكن مع ذلك فإن الحكم الذي ذكره راجح وإن كان التعليل المتقدم فيه نظر.
وإنما ينبغي أن يقال – وهو مذكور من الحافظ – أن الثواب يختلف، مع ثبوت أصله: فلمن صلى عليها قيراط، ولمن اتبعها من بيتها فصلى عليها قيراط، وإن كان القيراطان ليستا بدرجة واحدة بل هما متفاوتان.