ولأن الإسلام قد قام بالدعوة والبيان، وإنما احتيج إلى السيف عند امتناع من امتنع عن قبوله، وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتكأ على عصا كما تقدم، فالمقصود هو ذات الاتكاء، وما يستعين الخطيب من ذلك تقوية نفسه أو نحو ذلك، وليس المقصود إظهار شيء مما ذكره بعض الحنابلة كما رد على ذلك ابن القيم أو غيره.
قال: (ويقصد تلقاء وجهه)
فالمستحب للخطيب في خطبته أن يقصد تلقاء وجهه، فلا يأخذ يميناً وشمالاً أي لا يلتفت أثناء الخطبة إلى ميمنة المسجد أو ميسرته، وهذا باتفاق العلماء، وذلك لأن هذا أسمع لكلامه فإنه إذا أخذ تلقاء وجهه استوى أهل المسجد في سماع كلامه، بخلاف ما إذا أخذ يمنة فإنه يخفي شيء من كلامه على أهل ميسرة المسجد، وهكذا إذا أخذ ذات اليسار فإنه يخفي شيء من كلامه على أهل ميمنة المسجد، فكان المستحب أن يكون تلقاء وجهه ليكون ذلك أسمع لكلامه وليكون أعدل بينهم.
قال الموفق: " وهو فعل النبي صلى الله عليه وسلم "، ولم أر ما يدل عليه نصاً، وإن كان اتفاق أهل العلم على ذلك والمصلحة تقتضي أن هذا هو فعل النبي صلى الله عليه وسلم.
- والمستحب للمأمومين أن يقبلوا بوجوههم على الإمام حتى من كان في ميمنة المسجد أو ميسرته، وقد وردت في ذلك حديث وآثار.
أما الحديث فهو ما رواه ابن ماجه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (كان إذا خطب استقبله أصحابه بوجوههم) لكن الحديث ضعيف مرسل.
وقد قال الترمذي: " ولا يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذا الباب شيء، لكن ذلك ثابت عن أصحابه، قال البخاري: " واستقبل ابن عمر وأنس الإمام وهو يخطب " ولا يعلم لهما مخالف.
لذا قال الترمذي: " والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وغيرهم يستحبون أن يستقبل الناس الإمام بوجوههم " وليس المقصود بالنظر بالأعين، وإنما المقصود أن يعطيه وجهه، فيستقبل الخطيب بوجهه.