واستدلوا: بالأحاديث التي استدل بها أهل القول الثاني.
قالوا: هذه الأحاديث التي استدللتم بها تدل على أن وقت الجمعة ليس كوقت الظهر، فكون الشارع يثبت فرقاً بينهما فلا يصح – حينئذٍ – القياس؛ لأنه قياس مع الفارق، فهذه أحاديث صحيحة تدل على أنه كان يصلي قبل زوال الشمس فدل على أن الجمعة لا تقاس بالظهر، لأن الظهر لا تصح إلا إذا زالت الشمس.
قالوا: والمعنى يقتضي ذلك، فعندنا قياس هو أظهر من هذا القياس وهو قياس الجمعة على العيد، فإن الشارع قد فرَّق بين وقت الجمعة ووقت الظهر كما تقدم من كون النبي صلى الله عليه وسلم ثبت عنه أنه قد صلى الجمعة قبل الزوال فدل على أن القياس ضعيف.
أما قياسنا على العيد فهو أظهر، فإن الجمعة عيد الأسبوع، وقد قال صلى الله عليه وسلم – في أبي داود -: (اجتمع في يومكم هذا عيدان) أي عيد السنة وعيد الجمعة، فكان القياس في هذا أظهر، فهي عيد الأسبوع، وأما كون الشارع لا يصليها كصلاة العيد فلمصلحة حضور الناس واجتماعهم لها.
وقد أجزأت صلاة العيد عن الجمعة فدل على أنها في حكمها، فكونه يجزئ عنها دل على أنها في حكمها.
إذن: الراجح مذهب الحنابلة: وأن الجمعة لو أقيمت كما يقام العيد أي بعد ارتفاع الشمس قيد رمح فإنها تصح.
لكن قالوا: الأفضل أن يكون ذلك إذا زالت الشمس خروجاً من الخلاف.
ولا شك أن الخروج من الخلاف في هذه المسألة قوي؛ لأنه أحوط كما أنه أفضل، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان في غالب أمره، إما أن يصلي إذا زالت الشمس أو قبيل الزوال، وإن كانت الأحاديث في كونه يصليها بعد الزوال أكثر من التي فيها أنه صلاها قبيل الزوال، وكذلك هو أفضل لما فيه من مصلحة اجتماع الناس.
فهو الأحوط ومع ذلك لو فعل لصحت جمعته.
وظاهر قولهم أن هذا في الجمعة كلها بخطبتيها وصلاتها؛ لأن الخطبتين – عندهم – عن ركعتين.