() إن ذلك كان في فتح مكة كما في رواية لأبي داود: (وذلك في عام الفتح) فأقام فيها تلك المدة، ويبعد أن يكتفي بمدة أقل منها إذ مكة كانت محل أهل الشرك، وكان العرب يقتدون بهم في سلمهم وكفرهم حتى لما آمنوا وأسلموا، دخل الناس في دين الله أفواجاً، فهي مكة التي كان فيها صناديد الكفار فيبعد أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - نوى إقامة يوم أو يومين أو ثلاثة.
() والقرينة الأخرى: أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: يبعد أن يضعف في التقدير هذا الضعف من تسعة عشر يوماً إلى أربعة أو ثلاثة أيام فيقدر ثلاثة أيام أو أربعة، فتصل المدة إلى تسعة عشر يوماً.
- وذهب أهل الظاهر: إلى أنها عشرين يوماً.
واستدلوا: بما رواه أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أقام بتبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة) لكن الحديث قد اختلف فيه علي: (يحيى بن أبي كثير) فرواه معمر عن يحيى موصولاً، ورواه الثقات عنه مرسلاً وهو الراجح كما رجح ذلك الدارقطني وغيره فهو مرسل، والمرسل ضعيف.
واعلم أن جمهور الفقهاء إنما حددوا مدة للإقامة والسفر – كما نبه على ذلك غير واحد – بناءً على أن الأصل في الإقامة هي ترك النقلة، فمتى ترك التنقل فأقام فهو مقيم وليس بمسافر، وإنما السفر هو التنقل.
قالوا: ولو لم يثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر في حال مكثه لقلنا إنه في حال المكث لا يقصر كما هو مذهب الحسن البصري وهو مروي عن عائشة أو نحوه.
لكنه قصر عليه الصلاة والسلام فرأينا أن أكثر مدة لقصره هي كذا. فالقائلون أنها أربعة أيام قالوا: هي أكثر مدة قصر فيها وتأولوا الأحاديث الأخر – وكذلك الباقين.
لكن هذا المنطلق فيه ضعف فيما يظهر. ومحل ضعفه أن يقال: إن ما ذكرتموه من أن السفر ينقطع بالإقامة والمكث وترك النقلة قد عارضه الأحاديث الثابتة وكون النبي - صلى الله عليه وسلم - يقصر يوماً أو يومين أو ثلاثة باتفاقنا.