وقال بعض الحنابلة وهو اختيار الشيخ عبد الرحمن بن سعدي: قال لا يشترط ذلك لعدم الدليل عليه، ولأن الأحاديث عامة في ذلك: (وإن صلى قاعداً فصلوا قعوداً أجمعين) فلا يقيد بالإمام الراتب ولا بمرجو زوال العلة؛ ولأنه معذور في نفسه، صحيحة صلاته، وقد ترك ركناً لا يؤثر بالمأمومين تركه – أي من حيث الائتمام –، فلم يكن ذلك مؤثراً في اقتدائهم، فصحت الصلاة خلفه.
وهذا القول أظهر، والنبي - صلى الله عليه وسلم - عندما صلى بهم لا يظهر لنا أنه كان مرجو زوال العلة فقد كان ذلك في مرض موته، وقد خشي الصحابة عليه الموت كما هو مشهور في قصة مرضه - صلى الله عليه وسلم -، فلا يُسلَّم – أنه كان مرجو زوال العلة.
قال: (ويصلون وراءه جلوساً ندباً)
إن صلى جالساً فإنهم يصلون وراءه جلوساً، بخلاف ما إذا ترك الركوع أو السجود فإنهم يسجدون.
أما إن صلى جالساً فيصلون وراءه جلوساً لحديث: (فإن صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعين)
وثبت في مسلم عن عائشة قالت: (اشتكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأتاه بعض أصحابه يعودونه فصلى بهم جالساً وصلوا قياماً فالتفت إليهم وأشار أن اجلسوا) .
وفي مسلم نحوه من حديث جابر وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود)
" ندباً ": فلا يجب ذلك، فلو صلوا قياماً صحت صلاتهم ولم يتركوا بذلك واجباً من واجبات الصلاة.
هذا هو المشهور في المذهب.
وقال بعض الحنابلة: بل ذلك فرض عليهم أي الجلوس.
واستدل أهل القول الأول بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يبطل صلاتهم لما صلوا خلفه قياماً.
أما دليل أهل القول الثاني: فهو أمر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قوله: (إن كدتم آنفاً لتفعلون فعل فارس والروم يقومون على ملوكهم وهم قعود) وهو تشبه بهم والتشبه بهم محرم.