أما الكتاب فقوله تعالى لإبراهيم وإسماعيل: {أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [سورة البقرة: 125]، ومعلوم أن تطهير البيت التطهير المعنوي من الشرك، والبدع، والمعاصي الظاهرة أولى من تطهيره التطهير الحسي الغسيل، والتنظيف، وإن كان هذا مطلوب، فطلب منهما أن يطهرا بيت الله لمن؟ للطائفين، والعاكفين، والركع السجود، فدل على فضل الاعتكاف، وأنه مقرون بالصلاة والطواف.
وقد اعتكف النبي -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه، وأزواجه من بعده.
والأفضل أن يكون الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان؛ لأنه هو الذي استقر عليه أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله -عز وجل- ثم اعتكف أزواجه من بعده" وهذا في الصحيحين وإن اعتكف في غير هذه العشر فلا بأس، العشر الأول، العشر الوسطى، في شوال، في القعدة في غيرها من الأشهر، العبادة ليس لها وقت، لكن أفضلها ما داوم عليه النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو العشر الأواخر من رمضان.
ولا يجب الاعتكاف ولا يلزم إلا بالنذر لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من نذر أن يطيع الله فليطعه)) [رواه البخاري].
والاعتكاف مع الصيام أكمل، لكنه يصح بلا صوم؛ لأن عمر - رضي الله عنه- سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن نذر نذره أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال له: ((أوف بنذرك)) ولأن الاعتكاف والصيام عبادتان منفصلتان فلا يشترط لأحدهما وجود الأخرى، ولا يصح الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه أي تقام فيه صلاة الجماعة؛ لأن صلاة الجماعة واجبة بالنسبة للرجال، فلا يعتكف في مسجد مهجور، كان مسجد ثم ترك، ارتحل عنه أهله، أو في مسجد طريق وإلا شبهه، ما تقام فيه الجماعة، لا، لأن الجماعة واجبة والاعتكاف سنة، لا يفرط بواجب لتحصيل سنة.
هذا بالنسبة للرجال الذين تلزمهم الجماعة، وأما المرأة فيصح الاعتكاف منها.