نعم لا شك أن الذي ينهزه إلى الصيام الرغبة فيما عند الله -سبحانه وتعالى- أكمل وأفضل، لكن الذي نصح بالحمية نصحه الطبيب أن لا يكثر الأكل، قال، كما يقول العوام حج وقضينا حاجة، نحتمي وأصوم، أحصل الأجر، وأحصل الصحة، نقول: هذا تشريك في العبادة، لكنه تشريك بمباح، وهو جائز.
ومسألة التشريك في العبادة تحتاج إلى شيء من التفصيل والبسط والتمثيل والتنظير، تشريك عبادة بعبادة له حكم، تشريك عبادة بمباح له حكم، تشريح عبادة بمحرم له حكم.
الشخص الذي أمر بكثرة المشي فقال: بدلاً من أن أجوب الأسواق طولاً وعرضاً أطوف، أحصل على ما أريد، وأحصل على الأجر أجر الطواف، نقول: يؤجر على طوافه؛ لأنه ما عدل من هذا إلى ذاك إلا طلباً للثواب، وما عدل عن الحمية وترك الطعام والشراب من غير صيام إلى الصيام إلا قاصداً بذلك وجه الله -سبحانه وتعالى-، نعم أجره أقل.
الإمام إذا أطال الركوع من أجل الداخل تشريك في العبادة، إطالة الركوع كان الإمام ناوي أن يسبح سبع مرات، سمع الباب فتح فقال في نفسه: لعل هذا يدرك هذه الركعة، فسبح عشر مرات من أجل الداخل، الجمهور على أنه لا بأس بذلك، وهو من باب الإحسان إلى أخيه، وإن أدخله المالكية في الممنوع، في الممنوع؛ لأنه أطال الصلاة من أجل فلان، فيدخل في الممنوع، لكن إذا جاز تقصير الصلاة من أجل بكاء الطفل من أجل أمه، فإنه يجوز تطويلها نعم مع عدم طروء الرياء من أجل الإحسان إلى هذا الداخل من باب أولى، والرسول -عليه الصلاة والسلام- يدخل في الصلاة يريد إطالتها، فإذا سمع بكاء الصبي خفف، رأفة به وبأمه، -عليه الصلاة والسلام-، وهذا فعله وهو المعصوم، المشرع.
على كل حال هذه مسألة لها بحث آخر ولها فروع وتفاصيل ومسألة جديرة بالعناية.
ما يروى عن عائشة -رضي الله عنها- مرفوعاً: "صوموا تصحوا" هذا رواه ابن السني وأبو نعيم في الطب، حديث ضعيف جداً، لا يثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- وإن كان معناه صحيحاً.
كذلك ما يروى عنه -عليه الصلاة والسلام- مرفوعاً: "المعدة بيت الداء، والحمية رأس الدواء" لا أصل له، وهو في الموضوعات، وإنما هو من قول الحارث بن كلدة طبيب العرب.