الله -سبحانه وتعالى- حكم عدل، ساوى بين الناس في التشريع العام، نعم فضل بعضهم على بعض، من أجل الامتحان، هل يشكر المفضَل، هل يصبر المفضول للمفضل عليه؟ لكن بالنسبة للتشريع العام الذي يشترك فيه الناس كلهم الناس سواسية، لا يقال: الملك يمكن أن يعفى عن هذا الركن، أو يعفى من هذا الركن وهو قادر مستطيع، لا، المسكين بدل ما يصوم شهر يصوم شهرين، لا، الناس سواسية في التشريع العام، هذا يجب عليه خمس صلوات، وهذاك يجب عليه كذلك، وذاك يجب عليه خمس صلوات، الغني والفقير، الرئيس والمرؤوس، الحمال والزبال يشترك في ذلك مع أعظم ملك في الدنيا.
بهذا العدل من الله -سبحانه وتعالى- يتذكر الملوك العدل الذي فرض عليهم إقامته بين رعاياهم.
ومن ذلك يعني من فوائد الصيام أنه وجاء للصائم، ووسيلة لطهارته وعفافه، وما ذاك إلا لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، والصوم يضيق تلك المجاري، ويذكر بالله وعظمته، فيضعف سلطان الشهوة، ويقوى سلطان الإيمان، ولذلك وجه من لا يجد القدرة على النكاح إلى الصيام، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)).
الصوم أيضاً له فوائد صحية؛ ذلكم أنه يقضي على المواد المترسبة في البدن، لا سيما أبدان المترفين، أولي النهم في الأكل، قليلي العمل، فإنه يطهر البدن من الأخلاط الرديئة، ويذيب الشحوم، أو يحول دون كثرتها في الجوف، وهي شديدة الخطر على القلب، وقد اعترف بذلك الكثير من الأطباء، وعالجوا به كثيراً من الأمراض.
لا شك أن فائدة الصيام من الناحية الصحية ظاهرة، ويوصى كثير من المرضى بالحمية، بترك الأكل والشرب، لكن من نصح بترك الأكل والشرب قيل له: لا بد من الحمية، فقال: بدلاً من أن أحتمي أصوم، والناهز له والباعث له على هذا الصيام الحمية، يؤجر وإلا ما يؤجر؟ نقول: هذا تشريك في العبادة، لكنه تشريك بمباح.