تأتي -إن شاء الله-، هنا اختلف في الحديث في رفعه ووقفه، وفي إرساله ووصله من جهة أخرى، وإذا تعارض الوقف مع الرفع والوصل مع الإرسال فمن أهل العلم من يرجح الإرسال لأن فيه زيادة علم؛ لأنه من رفع معه زيادة علم، وهذه طريقة كثير من المتأخرين، منهم من يرجح الإرسال لأنه هو المتيقن، وبالمقابل منهم من يرجح الرفع بمقابل الوقف، ومنهم من يرجح الوقف، منهم من يرجح بالكثرة يرجح الأكثر، ومنهم من يرجح بالحفظ والضبط والإتقان، فيرجح قول الأحفظ أو رواية الأحفظ، لكن ذكرنا مراراً أن طريقة المتقدمين في مثل هذا أنه لا يحكم بحكم عام مطرد، بل الحكم بما تؤيده القرائن، فالإمام أحمد -رحمه الله تعالى- رجح أنه مرفوع في رواية ابنه صالح، وفي رواية غيره رجح أنه موقوف، وقال ابن المنذر: لا يثبت رفعه، الدارقطني يقول: المرسل أصح، عندنا مرسل وعندنا موصول، المرسل رجاله أوثق، ابن حجر يرى أنه لا تعارض حينئذٍ بين الوصل والإرسال؛ لأن رجال السند غير المرسل غير رجال السند الموصول، والشافعي -رحمه الله تعالى- ذكر مما يتأيد به المرسل ويقبل بحيث يحتج به يصير حجة أن يثبت من طريق أخرى إما مرسلة أو موصولة، وهنا الطريقة الأخرى موصولة، قال بعضهم: إذا ثبت من طريق أخرى موصولة فلا حاجة لنا بالطريق المرسلة، لكن الصواب أن لنا به حاجة؛ لأنهما حينئذٍ يصير .. ، عندنا أكثر من طريق، كثرة الطرق نحتاجها، وإذا كان رجال الموصول غير رجال المرسل فإن الرواية المرسلة لا تعل بالمرسل حينئذٍ، إذا عرفنا هذا فالحديث دليل على أنه لا يصح أن يحج المرء عن غيره وهو لم يحج عن نفسه، فإذا أحرم عن غيره فإنه ينعقد إحرامه عن نفسه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- أمره أن يجعله عن نفسه ((حج عن نفسك)) بعد أن لبى عن شبرمة، فدل على أن النية لم تنعقد عن غيره، وبهذا قال الشافعي، وكره ذلك مالك وأبو حنيفة، فصل بعضهم فقال: إن كان النائب ممن لا يلزمه الحج، النائب فقير لا يلزمه الحج، ثم أعطي ما يسمى بحجة، أُنيب أعطي مبلغ يحج به تصح النيابة، إن كان ممن يلزمه الحج لكونه مستطيعاً فإنه لا تصح نيابته، وعموم الحديث يمنع النيابة ممن لم يحج عن نفسه سواء كان مستطيعاً أو غير مستطيع؛

طور بواسطة نورين ميديا © 2015